المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٥٥
عظيمة وهي الفكرة في قدرة الله تعالى ومخلوقاته والعبر التي بث (وفي كل شيء له آية * تدل على أنه واحد) المتقارب ومر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يتفكرون في الله فقال تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنكم لا تقدرون قدره وهذا هو قصد الآية * (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) * وقال بعض العلماء المتفكر في ذات الله تعالى كالناظر في عين الشمس لأنه تعالى ليس كمثله شيء وإنما التفكير وانبساط الذهن في المخلوقات وفي مخاوف الآخرة أنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا عبادة كتفكر) وقال الحسن بن أبي الحسن الفكرة مرآة المؤمن ينظر فيها إلى حسناته وسيئاته وقال ابن عباس وأبو الدرداء فكرة ساعة خير من قيام ليلة وقال سري السقطي فكرة ساعة خير من عبادة سنة ما هو إلا أن تحل أطناب خيمتك فتجعلها في الآخرة وأخذ أبو سليمان الدراني قدح الماء ليتوضأ لصلاة الليل وعنده ضيف فرآه لما أدخل أصبعه في أذن القدح أقام كذلك مفكرا حتى طلع الفجر فقال له ما هذا يا أبا سليمان فقال إني لما طرحت أصبعي في أذن القدح تذكرت قول الله جل وتعالى * (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل) * غافر 71 ففكرت في حالي وكيف أتلقى الغل إن طرح في عنقي يوم القيامة فما زلت في ذلك حتى أصبحت قال القاضي فهذه نهاية الخوف وخير الأمور أوسطها وليس علماء الأمة الذين هم الحجة على هذا المنهاج وقراءة علم كتاب الله ومعاني سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يفهم ويرجى نفعه أفضل من هذا لكنه يحسن أن لا تخلو البلاد من مثل هذا وحدثني أبي رضي الله عنه عن بعض علماء المشرق أنه قال كنت بائتا في مسجد الأقدام بمصر فصليت العشاء فرأيت رجلا قد اضطجع في كساء له مسجى بكسائه حتى أصبح وصلينا نحن تلك الليلة وسهرنا فلما أقيمت صلاة الصبح قام ذلك الرجل فاستقبل القبلة فصلى مع الناس فاستعظمت جرأته في الصلاة بغير وضوء فلما فرغت الصلاة خرج فتبعته لأعظه فلما دنوت منه سمعته ينشد (منسحق الجسم غائب حاضر * منتبه القلب صامت ذاكر) (منقبض في الغيوب منبسط * كذاك من كان عارفا ذاكرا) (يبيت في ليله أخا فكر * فهو مدى الليل نائم ساهر) المنسرح قال فعلمت أنه ممن يعبد بالفكرة وانصرفت عنه وقوله تعالى * (ربنا) * معناه يقولون ربنا على النداء ما خلقت هذا باطلا يريد لغير غاية منصوبة بل خلقته وخلقت البشر لينظر فيه فتوحد وتعبد فمن فعل ذلك نعمته ومن ضل عن ذلك عذبته لفكره وقوله عليك ما لا يليق بك ولهذا المعنى الذي تعطيه قوة اللفظ حسن قولهم * (سبحانك) * أي تنزيها لك عما يقول المبطلون وحسن قولهم * (فقنا عذاب النار) * إذ نحن المسبحون المنزهون لك الموحدون وقولهم * (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) * استجارة واستعاذة أي فلا تفعل بنا ذلك ولا تجعلنا ممن يعمل عملها والخزي الفضيحة المخجلة الهادمة لقدر المرء خزي الرجل يخزى خزيا إذا
(٥٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 550 551 552 553 554 555 556 557 558 559 560 » »»