المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج ١ - الصفحة ٥٥٤
ثم استفتح القول بذكر قدرة الله تعالى وملكه فقال * (ولله ملك السماوات والأرض) * الآية أنه قال بعض المفسرين الآية رد على الذين قالوا * (إن الله فقير ونحن أغنياء) * آل عمران 181 وقوله تعالى " والله على كل شيء قدير " أنه قال القاضي ابن الطيب وغيره ظاهره العموم ومعناه الخصوص لأن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على المحالات هو الموجود في مقتضى كلام العرب ثم دل على مواضع النظر والعبرة حيث يقع الاستدلال على الصانع بوجود السماوات والأرضيين والمخلوقات دال على العلم ومحال أن يكون موجود عالم مريد غير حي فثبت بالنظر في هذه الآية عظم الصفات * (واختلاف الليل والنهار) * هو تعاقبهما إذ جعلهما الله خلفه ويدخل تحت لفظة الاختلاف كونهما يقصر هذا ويطول الآخر وبالعكس ويدخل في ذلك اختلافهما بالنور والظلام و الآيات العلامات و * (الألباب) * وفي هذه الآية هي ألباب التكليف لا ألباب التجربة لأن كل من له علوم ضرورية يدركها فإنه يعلم ضرورة ما قلناه من صفات الله تعالى آل عمران 191 - 192 * (الذين) * في موضع خفض صفة * (لأولي الألباب) * آل عمران 190 وهذا وصف ظاهره استعمال التحميد والتهليل والتكبير ونحوه من ذكر الله وأن يحصر القلب اللسان وذلك من أعظم وجوه العبادات والأحاديث في ذلك كثيرة وابن آدم منتقل في هذه الثلاث الهيئات لا يخلو في غالب أمره منها فكأنها تحصر زمنه وكذلك جرت عائشة رضي الله عنها إلى حصر الزمن في قولها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه فدخل في ذلك كونه على الخلاء وغير ذلك وذهبت جماعة من المفسرين إلى أن قوله * (الذين يذكرون الله) * إنما هو عبارة عن الصلاة أي لا يضيعونها ففي حال العذر يصلونها قعودا وعلى جنوبهم أنه قال بعضهم وهي كقوله تعالى * (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله) * النساء 103 هذا تأويل من تأول هنالك قضيتم بمعنى أديتم لأن بعض الناس يقول قضيتم هنالك بمعنى فرغتم منها فإذا كانت هذه الآية في الصلاة ففقهها أن الإنسان يصلي قائما فإن لم يستطع فقاعدا ظاهر المدونة متربعا وروي عن مالك وبعض أصحابه أنه يصلي كما يجلس بين السجدتين فإن لم يستطع القعود صلى على جنبه أو ظهره على التخيير هذا مذهب المدونة وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم يصلي على ظهره فإن لم يستطع فعلى جنبه الأيمن ثم على الأيسر وفي كتاب ابن المواز يصلي على جنبه الأيمن وإلا فعلى الأيسر وإلا فعلى الظهر وقال سحنون يصلي على الأيمن كما يجعل في لحده وإلا فعلى ظهره وإلا فعلى الأيسر وحسن عطف قوله * (وعلى جنوبهم) * على قوله * (قياما وقعودا) * لأنه في معنى مضطجعين ثم عطف على هذه العبادة التي هي ذكر الله باللسان أو الصلاة فرضها ومندوبها بعبادة أخرى
(٥٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 549 550 551 552 553 554 555 556 557 558 559 ... » »»