تفسير السمعاني - السمعاني - ج ١ - الصفحة ٥١
* (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن نحن مستهزئون (14) الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم) * * وقوله تعالى: * (الله يستهزئ بهم...) الآية. فإن قال قائل: ما معنى الاستهزاء من الله تعالى؟ قلنا فيه أقوال: قال بعضهم: معناه يجازيهم على صنيعهم، إلا أنه سماه الله استهزاء؛ لأنه جزاء الاستهزاء؛ كما قال: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) وإن لم يكن الجزاء سيئة حقيقة.
وقال بعضهم: يستهزئ بهم أي يعيبهم، ومنه قوله تعالى: * (يكفر بها ويستهزأ بها) أي: يعاب كذلك هذا.
وقال أهل الرواية معناه: الله يستهزئ بهم في الآخرة، والاستهزاء بهم في الآخرة يحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يضرب للمؤمنين على الصراط نورا يمشون به، وإذا وصل المنافقون إليه حال بينهم وبين المؤمنين، فذلك الاستهزاء بهم؛ كما قال: * (فضرب بينهم بسور له باب).
والثاني: أنه يقربهم من الجنة، حتى إذا رأو زهرتها وحسنها وبهجتها، واستنشقوا رائحتها صرفهم عنها إلى النار، فذلك الاستهزاء بهم، وقد نطق عنه - عليه الصلاة والسلام بمعناه حديث في الصحاح.
قوله: * (ويمدهم) أي، يمهلهم حتى يستدرجهم. * (في طغيانهم) أي: ضلالتهم. * (يعمهون) أي: يتحيرون، قال الشاعر:
(ومهمة أطرافها في مهمة * أعمى الهدى بالجاهلين العمة) قوله تعالى: (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) لأن معناه: اختاروا الكفر على الإيمان؛ لأنهم لما آثروا أشياء على شيء فكأنهم استبدلوا هذا بذلك * (فما
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»