تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٦ - الصفحة ٦٠
وضعني على جناحه ثم ارتفع بي إلى سماء الدنيا من ذلك المعراج، فقرع الباب فقيل: من؟ قال: أنا جبرئيل. قال: ومن معك؟ قال: محمد.
قال: أوقد بعث محمد؟ قال: نعم. قال: مرحبا به حياه الله من أخ ومن خليفة فنعم الأخ ونعم الخليفة ونعم المجيء جاء ففتح الباب ودخلنا. قال: فبينما أنا أسير في السماء الدنيا إذ رايت ديكا له زغب أخضر ورأس أبيض بياض ريشه كأشد بياض ما رأيته قط، وزغب أخضر تحت ريشه كأشد خضرة ما رأيتها قط وإذا رجلا في تخوم الأرض السابعة السفلى ورأسه عند العرش مثني عنقه تحت العرش له جناحان من منكبيه إذا نشرهما جاوز المشرق والمغرب فإذا كان في بعض (الميل) نشر جناحيه وخفق بهما، وصرخ بالتسبيح لله عز وجل يقول سبحان الملك القدوس الكبير المتعال لا إله إلا هو الحي القيوم، فإذا فعل ذلك سبحت ديكة الأرض كلها وخفقت بأجنحتها وأخذت في الصراخ فإذا سكن ذلك الديك في السماء سكنت ديكة الأرض كلها، ثم إذا هاج بنحو ما فعلوا في السماء صاحت ديكة الأرض جوابا له بالتسبيح لله عز وجل بنحو قوله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لم أزل منذ رأيت ذلك الديك مشتاقا إليه أن أراه ثانية).
قال: ثم مررت بملك نصف جسده مما يلي رأسه نار والنصف الآخر ثلج وما بينهم رتق، فلا النار يذيب الثلج ولا الثلج يطفئ النار، وهو قائم ينادي بصوت له حسن رفيع: اللهم مؤلف بين الثلج والنار ألف بين قلوب عبادك المؤمنين.
فقلت: يا جبرئيل من هذا؟ قال: ملك من الملائكة يقال له حبيب وكله الله بأكناف السماوات وأطراف الأرضين، ما أنصحه لأهل الأرض هذا قوله منذ خلقه الله تعالى. قال: ثم مررت بملك آخر جالس على كرسي قد جمع الدنيا بين ركبتيه، وفي يديه لوح مكتوب من نور ينظر فيه لا يلتفت يمينا ولا شمالا ينظر فيه كهيئة الحزين. فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ ما مررت أنا بملك أنا أشد خوفا منه شيء من هذا؟ قال: وما يمنعك كلنا بمنزلتك، هذا ملك الموت دائب في قبض الأرواح وهو أشد الملائكة عملا وأدأبهم. قلت: يا جبرئيل كل من مات نظر إلى هذا؟ قال: نعم. قلت: كفى بالموت من طامة. فقال: يا محمد ما بعد الموت أطم وأعظم، قلت: يا جبرئيل أدنني من ملك الموت أسلم عليه وأساله فأدناني منه فسلمت عليه فأومى إلي فقال له جبرئيل: هذا محمد نبي الرحمة ورسول العرب فرحب بي وحياني وأحسن بشارتي وإكرامي. وقال: أبشر يا محمد فإني أرى الخير كله في أمتك. فقلت: الحمد لله المنان بالنعم، ما هذا اللوح الذي بين يديك؟ قال: مكتوب فيه آجال الخلائق.
قلت: فأين أسماء من قبضت أرواحهم في الدهور الخالية؟ قال: تلك في لوح آخر قد علمت خلقها، ولذلك أصنع بكل ذي روح إذا قبضت روحه خلفت عليها، فقلت: يا ملك
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»