تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٦ - الصفحة ١٨١
" * (أو أمضي حقبا) *) وجمعه أحقاب: دهرا أو زمانا. وقال عبد الله بن عمر: والحقب ثمانون سنة. وقال مجاهد: سبعون سنة. وقيل: البحران هما موسى والخضر، كانا بحرين في العلم.
فحملا خبزا وسمكة مالحة وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي عند مجمع البحرين ليلا، وعندها عين تسمى ماء الحياة، لا يصيب ذلك الماء شيئا إلا حي، فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده اضطربت في المكتل وعاشت ودخلت البحر، فذلك قوله عز وجل: " * (فلما بلغا) *)، يعني: موسى وفتاه " * (مجمع بينهما) *) يعني: بين البحرين " * (نسيا حوتهما) *): تركا حوتهما، وإنما كان الحوت مع يوشع، وهو الذي نسيه فصرف النسيان إليهما، والمراد به: أحدهما كما قال: " * (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) *) وإنما يخرج من المالح دون العذب. وإنما جاز ذلك؛ لأنهما كانا جميعا تزودا لسفرهما، فجاز إضافته إليهما، كما يقال: خرج القوم إلى موضع كذا، وحملوا معهم من الزاد كذا، وإنما حمله أحدهم، لكنه لما كان ذلك من أمرهم ورأيهم أضيف إليهم. " * (فاتخذ) *) الحوت " * (سبيله في البحر سربا) *)، أي مسلكا ومذهبا يسرب ويذهب فيه.
واختلفوا في كيفية ذلك؛ فروى أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (انجاب الماء عن مسلك الحوت فصارت كوة لم تلتئم، فدخل موسى الكوة على أثر الحوت فإذا هو بالخضر (عليه السلام)).
وقال ابن عباس: رأى أثر جناحه في الطين حين وقع في الماء، وجعل الحوت لا يمس شيئا إلا يبس حتى صار صخرة. وروى ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما انتهيا إلى الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سربا، أمسك الله عز وجل عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ موسى (عليه السلام) نسي فتاه أن يخبره بالحوت وانطلقا بقية يومهما وليلتهما. حتى إذا كان من الغد " * (فلما جاوزا قال) *) موسى " * (لفتاه آتنا غداءنا) *)).
وقال قتادة: رد الله عز وجل إلى الحوت روحه فسرب من البحر حتى أفضى إلى البحر، ثم سلك فجعل لا يسلك منه طريقا إلا صار ماء جامدا طريقا يبسا. وقال الكلبي: توضأ يوشع بن نون من عين الحياة فانتضح على الحوت المالح في المكتل من ذلك الماء فعاش، ثم وثب في ذلك الماء، فجعل يضرب بذنبه الماء، ولا يضرب بذنبه شيئا من الماء وهو ذاهب إلا يبس. " * (فلما جاوزا) *)، يعني ذلك الموضع " * (قال موسى لفتاه آتنا) *): أعطنا " * (غداءنا) *): طعامنا وزادنا، وذلك أن يوشع بن نون حين رأى ذلك من الحوت قام ليدرك موسى ليخبره بأمر الحوت، فنسي أن يخبره فمكثا يومهما ذلك حتى صليا الظهر من الغد، ولم ينصب موسى في سفره ذلك إلا يومئذ حين
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»