تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٢ - الصفحة ٣٠٦
السين على الفعل، يريد: إلا وسعها أمره، أو أراد إلا ما وسعها فحذف (ما).
واختلفوا في تأويله، فقال ابن عطاء والسدي وأكثر المفسرين: أراد به حديث النفس، وذلك أن الله تعالى لما أنزل: " * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) *). جاء المؤمنون (عامة) وقالوا: يا رسول الله هذا لنتوب من عمل الجوارح، فكيف نتوب من الوسوسة وكيف نمتنع من حديث النفس؟
فأنزل الله: " * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *). أي طاقتها، وكان حديث النفس مما لم يطيقوا.
قال ابن عباس في رواية آخرى: (...) المؤمنون خاصة وسع الله عليهم أمر دينهم. ولم يكلفهم إلا ما هم له مستطيعون، فقال: " * (يريد الله بكم اليسر) *)، وقال: " * (ما جعل عليكم في الدين من حرج) *)، وقال: " * (فأتقوا الله ما استطعتم) *).
قال الثعلبي: وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن نافع السجري بهراة قال: سمعت أبا يزيد حاتم بن محبوب الشامي قال: سمعت عبد الجبار بن العلاء العطار يقول: سئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: " * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *).
فقال: إلا يسرها لا عسرها، ولم يكلفها طاقتها ولو كلفها طاقتها لبلغ المجهود منها.
قال الثعلبي: وهذا قول حسن لأن الوسع ما دون الطاقة، فقال بعض أهل الكلام: يعني إلا ما يسعها ويحل لها، كقول القائل: ما يسعك هذا الأمر؟ أي ما يحل الله لك؟ فبين الله تعالى أن ما كلف عباده فقد وسعه لهم والله أعلم.
" * (لها ما كسبت) *). أي للنفس ما عملت من الخير والعمل الصالح، لها أجره وثوابه " * (وعليها ما اكتسبت) *). من الشر بالعمل السيء عليها وزره.
" * (ربنا لا تؤاخذنا) *). لا تعاقبنا.
قال أهل المعاني: وإنما خرج على لفظ المفاعلة وهو فعل واحد؛ لأن المسئ قد أمكر وطرق السبيل إليها وكأنه أعان عليه من يعاقبه بذنبه ويأخذه به فشاركه في أخذه " * (إن نسينا) *). جعله بعضهم من النسيان الذي هو السهو.
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 » »»