أحكام القرآن - الجصاص - ج ٢ - الصفحة ٦١٩
تميم الداري، وعلى ما قاله أبو موسى في استحلافه الذميين ما خانا ولا كذبا. فصارا مدعى عليهما، فلذلك استحلفا لا من حيث كانا شاهدين، ويدل عليه قوله تعالى:
(فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله) يعني فيما أوصى به الميت وأشهدهما عليه. ثم قال تعالى: (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) يعني ظهور شئ من مال الميت في أيديهما بعد ذلك، وهو جام الفضة الذي ظهر في أيديهما من مال الميت فزعما أنهما كانا اشترياه من مال الميت. ثم قال تعالى: (فآخران يقومان مقامه) يعني في اليمين، لأنهما صارا في هذه الحال مدعيين للشرى، فصارت اليمين على الورثة، وعلى أنه لم يكن للميت إلا وارثان فكانا مدعى عليهما، فلذلك استحلفا، ألا ترى أنه قال: (من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما) يعني أن هذه اليمين أولى من اليمين التي حلف بها الوصيان أنهما ما خانا ولا بدلا، لأن الوصيين صارا في هذه الحال مدعيين وصار الوارثان مدعى عليهما، وقد كان برئا في الظاهر بديا بيمينهما فمضت شهادتهما على الوصية، فلما ظهر في أيديهما شئ من مال الميت صارت أيمان الوارثين أولى.
وقد اختلف في تأويل قوله تعالى: (الأوليان) فروي عن سعيد بن جبير قال:
معنى الأوليان بالميت يعني الورثة، وقيل: الأوليان بالشهادة وهي الأيمان في هذا الموضع، وليس في الآية دلالة على إيجاب اليمين على الشاهدين فيما شهدا به، وإنما أوجبت اليمين عليهما لما ادعى الورثة عليهما الخيانة وأخذ شئ من تركة الميت، فصار بعض ما ذكر في هذه الآيات من الشهادات أيمانا. وقال بعضهم: الشهادة على الوصية كالشهادة على الحقوق، لقوله تعالى: (شهادة بينكم) لا محالة أريد بها شهادات الحقوق، لقوله: (اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم) وقوله بعد ذلك:
(فيقسمان بالله) لا يحتمل غير اليمين، ثم قال: (فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا) يعني بها اليمين، لأن هذه أيمان الوارثين، وقوله: (أحق من شهادتهما) يحتمل من يمينهما ويحتمل من شهادتهما، لأن الوصيين قد كان منهما شهادة ويمين وصارت يمين الوارث أحق من شهادة الوصيين ويمينهما، لأن شهادتهما لأنفسهما غير جائزة ويميناهما لم توجب تصحيح دعواهما في شراء ما ادعيا شراءه من الميت.
ثم قال تعالى: (ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها) يعني والله أعلم:
بالشهادة على الوصية وأن لا يخونوا ولا يغيروا، يعني أن ما حكم الله تعالى به من ذلك من الإيمان وإيجابها تارة على الشهود فيما ادعى عليهما من الخيانة وتارة على الورثة فيما
(٦١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 610 611 612 613 614 615 616 617 618 619 620 » »»