عن عبد الله بن وهب، عن يحيى بن عبد الله بن سالم، عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر قال: (تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه). وأيضا فإن صوم رمضان فرض يلزم من طريق الدين، فإذا تعذر وجود الاستفاضة فيه وجب قبول أخبار الآحاد كأخبار الآحاد المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحكام الشرع الذي ليس من شرطه الاستفاضة، ولذلك قبلوا خبر المرأة والعبد والمحدود في القذف إذا كان عدلا كما يقبل في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ما عاضد القياس من الآثار المروية فيه.
وأما هلال شوال وذي الحجة فإنهم لم يقبلوا فيه إلا شهادة رجلين عدلين ممن تقبل شهادتهم في الأحكام، لما حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزاز قال: أخبرنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا عباد عن أبي مالك الأشجعي قال: حدثنا حسين بن الحرث الجدلي من جديلة قيس، أن أمير مكة خطب ثم قال: (عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك لرؤية الهلال، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما) - فسألت الحسين بن الحارث: من أمير مكة؟ فقال: لا أدري. ثم لقيني بعد ذلك فقال: هو الحرث بن حاطب أخو محمد بن حاطب - ثم قال الأمير: (إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني وشهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وأومأ بيده إلى رجل.
قال الحسين: فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الذي أومأ إليه الأمير؟ قال: عبد الله بن عمر، وصدق، كان أعلم بالله منه فقال: (بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقوله (أمرنا أن ننسك لرؤية الهلال) إنما هو على صلاة العيد والذبح يوم النحر لوقوع اسم النسك عليهما دون صوم رمضان، لأن الصوم لا يتناوله هذا الاسم مطلقا، وقد يتناول الصلاة والذبح، ألا ترى إلى قوله تعالى: (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) [البقرة: 196] فجعل النسك غير الصيام؟ والدليل على أن النسك يقع على صلاة العيد حديث البراء بن عازب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر: (إن أول نسكنا في يومنا هذا الصلاة ثم الذبح)، فسمى الصلاة نسكا وقد. سمى الله الذبح في قوله: (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي ) [الأنعام: 162] وفي قوله: (أو صدقة أو نسك) [البقرة: 196] فثبت بذلك أن قوله (عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك بشهادة شاهدي عدل) قد انتظم صلاة العيد للفطر والذبح يوم النحر، فوجب أن لا يقبل فيه أقل من شاهدين. ومن جهة أخرى أن الاستظهار بفعل الفرض أولى من الاستظهار بتركه، فاستظهروا للفطر بشهادة رجلين، لأن الإمساك فيما لا صوم فيه خير من الأكل في يوم الصوم.
فإن قيل: في هذا ترك الاستظهار لأنه جائز أن يكون يوم الفطر وقد شهد به شاهد،