ثلاثين) هو أصل في اعتبار الشهر ثلاثين، إلا أن يرى قبل ذلك الهلال، فإن كل شهر غم علينا هلاله فعلينا أن نعده ثلاثين. هذا في سائر الشهور التي يتعلق بها الأحكام، وإنما يصير إلى أقل من ثلاثين برؤية الهلال، ولذلك قال أصحابنا: (من أجر داره عشرة أشهر وهو في بعض الشهر أنه يكون تسعة أشهر بالأهلة وشهر ثلاثين يوما يكمل الشهر الأول من آخر شهر بمقدار نقصانه، لأن الشهر الأول ابتداؤه بغير هلال فاستوفى له ثلاثين يوما، وسائر الشهور بالأهلة فلم يعتبر غيرها) وقالوا: (لو أجره في أول الشهر لكانت كلها بالأهلة).
وقد اختلف في الشهادة على رؤية الهلال، فقال أصحابنا جميعا: (تقبل في رؤية هلال رمضان شهادة رجل عدل إذا كان في السماء علة، وإن لم تكن في السماء علة لم يقبل إلا شهادة الجماعة الكثيرة التي يوجب خبرها العلم) وقد حكي عن أبي يوسف أنه حد في ذلك خمسين رجلا. وكذلك هلال شوال وذي الحجة إذا لم يكن بالسماء علة، فإن كان بالسماء علة لم يقبل فيها إلا شهاد عدلين يقبل مثلهما في الحقوق. وقال مالك والثوري والأوزاعي والليث والحسن بن حي وعبيد الله: (لا يقبل في هلال رمضان وشوال إلا شهادة عدلين). وقال المزني عن الشافعي: (إن شهد على رؤية هلال رمضان عدل واحد رأيت أن أقبله للأثر فيه، والاحتياط والقياس في ذلك أن لا يقبل إلا شاهدان، ولا أقبل على رؤية هلال الفطر إلا عدلين).
قال أبو بكر: إنما اعتبر أصحابنا إذا لم يكن بالسماء علة شهادة الجمع الكثير الذين يقع العلم بخبرهم لأن ذلك فرض قد عمت الحاجة إليه، والناس مأمورون بطلب الهلال، فغير جائز أن يطلبه الجمع الكثير ولا علة بالسماء مع توافي هممهم وحرصهم على رؤيته، ثم يراه النفر اليسير منهم ولا يراه الباقون مع صحة أبصارهم وارتفاع الموانع عنهم، فإذا أخبر بذلك النفر اليسير منهم دون كافتهم علمنا أنهم غالطون غير مصيبين، فإما أن يكونوا رأوا خيالا فظنوه هلالا أو تعمدوا الكذب، إذ جواز ذلك عليهم غير ممتنع، وهذا أصل صحيح تقتضي العقول بصحته وعليه مبني أمر الشريعة، والخطأ فيه يعظم ضرره ويتوصل به الملحدون إلى إدخال الشبهة على الأغمار والشحو وعلى من لم يتيقن ما ذكرنا من الأصل، ولذلك قال أصحابنا: (ما كان من أحكام الشريعة بالناس حاجة إلى معرفته فسبيل ثبوته الاستفاضة والخبر الموجب للعلم، وغير جائز إثبات مثله بأخبار الآحاد، نحو إيجاب الوضوء من مس الذكر ومس المرأة والوضوء مما مست النار والوضوء مع عدم تسمية الله عليه) فقالوا: لما كانت البلوى عامة من كافة الناس بهذه الأمور ونظائرها، فغير جائز أن يكون فيه حكم الله تعالى من طريق التوقيف إلا وقد بلغ