تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل بن سليمان - ج ٢ - الصفحة ٢٥٠
تذلوا، وذلك بمعصيتهم الله عز وجل.
فذلك قوله تعالى: * (فإذا جاء وعد أولهما) *، يعنى وقت أول الهلاكين، * (بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد) *، بختنصر المجوسي ملك بابل وأصحابه، * (فجاسوا خلال الديار) *، يعنى فقتل الناس في الأزقة، وسبي ذراريهم، وخرب بيت المقدس، وألقى فيه الجيف، وحرق التوراة، ورجع بالسبي إلى بابل، فذلك قوله سبحانه: * (وكان وعدا مفعولا) * [آية: 5]، يعنى وعدا كائنا لا بد منه، فكانوا ببابل سبعين سنة.
ثم إن الله عز وجل استنقذهم على يد كروس بن مزدك الفارس، فردهم إلى بيت المقدس، فذلك قوله عز وجل: * (ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين) *، حتى كثروا، فذلك قوله عز وجل: * (وجعلناكم أكثر نفيرا) * [آية: 6]، يعنى أكثر رجالا منكم قبل ذلك، فكانوا بها مائتي سنة وعشر سنين، فيهم أنبياء.
ثم قال سبحانه: * (إن أحسنتم) * العمل لله بعد هذه المرة، * (أحسنتم لأنفسكم) *، فلا تهلكوا، * (وإن أسأتم فلها) *، يعنى وإن عصيتم فعلى أنفسكم، فعادوا إلى المعاصي الثانية، فسلط الله عليهم أيضا انطباخوس بن سيس الرومي ملك أرض نينوي، فذلك قوله عز وجل * (فإذا جاء وعد الآخرة) *، يعنى وقت آخر الهلاكين، * (ليسوئوا وجوهكم) *، يعنى ليقبح وجوهكم، فقتلهم وسبي ذراريهم، وخرب بيت المقدس، وألقى فيه الجيف، وقتل علماءهم، وحرق التوراة، فذلك قوله عز وجل: * (وليدخلوا المسجد ليدخلوا المسجد) *، يعنى بيت المقدس، انطياخوس بن سيس ومن معه بيت المقدس، * (كما دخلوه أول مرة) *، يقول: كما دخله بختنصر المجوسي وأصحابه قبل ذلك، قال سبحانه: * (وليتبروا ما علوا تتبيرا) * [آية: 7]، يقول عز وجل: وليدمروا ما علوا، يقول: ما ظهروا عليه تدميرا، كقوله سبحانه في الفرقان: * (وكلا تبرنا تتبيرا) * [الفرقان: 39]، يعنى وكلا دمرنا تدميرا.
ثم قال: * (عسى ربكم أن يرحمكم) *، فلا يسلط عليكم القتل والسبي، ثم إن الله عز
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»