شئ من الأذى والمحن شريطة أن يحافظ على شخصيته، ولهذا فإن أشد عقوبات الآخرة على هؤلاء هو الخزي في محضر الله وعند عباده.
على أن النقطة الجديرة بالاهتمام التي تنطوي عليها جملة وما للظالمين من أنصار هي أن العقلاء بعد التعرف على الأهداف التربوية المطلوبة للإنسان يقفون على هذه الحقيقة وهي أن الوسيلة الوحيدة لنجاح الإنسان ونجاته هي أعماله وممارساته، ولهذا لا يمكن أن يكون للظالمين أي أنصار، لأنهم فقدوا النصير الأصلي وهو العمل الصالح، والتركيز على لفظة " الظلم " إما لأجل خطورة هذه المعصية من بين المعاصي الأخرى، وإما لأن جميع الذنوب ترجع إلى ظلم الإنسان لنفسه.
على أنه ليست ثمة أية منافاة بين هذه الآية ومسألة الشفاعة (بمعناها الصحيح) لأن الشفاعة (كما قلنا سابقا في بحث الشفاعة) تحتاج إلى قابلية وأهلية خاصة في المشفوع له، وهذه الأهلية والصلاحية لشمول الشفاعة تحصل في ضوء بعض الأعمال الصالحة الخيرة.
ثم إن أصحاب العقول وذوي الألباب بعد التعرف على هدف الكون والغاية من الخلق ينتبهون إلى هذه النقطة، وهي أن هذا الطريق الوعر يجب أن لا يسلكه أحد بدون قيادة الهداة الإلهيين، ولهذا فهم يترصدون نداء من يدعوهم إلى الإيمان بصدق وإخلاص ويستجيبون لأول دعوة يسمعونها منه ويسرعون إليه، ويعتنقونها بعد أن يحققوا فيها، ويتأكدوا من صدقها وصحتها ويؤمنون بها بكل وجودهم، ولهذا يقولون في محضر ربهم:
ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن أمنوا بربكم فأمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.
أي ربنا الآن وقد أمنا بكل وجودنا وإرادتنا، ولكننا يحيط بنا طوفان الغرائز المختلفة من كل جانب، فربما ننزلق وربما نزل ونرتكب معصية، ربنا فاغفر لنا