تفسير شبر - السيد عبد الله شبر - الصفحة ٣٩

____________________
الوصفية من الدلالة على العلم فغلب العقلاء واختص بهم (الرحمن الرحيم) كرر تأكيدا واهتماما وبيانا لعلة تخصيص الحمد به تعالى (مالك) (1) (يوم الدين) أي الجزاء أو الحساب وقرأ ملك كما عن أهل البيت عليهما السلام وسوغ وصف المعرفة به قصد معنى المضئ تنزيلا لمحقق الوقوع منزلة ما وقع أو قصد الاستمرار الثبوتي أي ملك الأمر كله في ذلك اليوم أو له الملك بكسر الميم فيه فإضافته حقيقية وكذا إضافة ملك إذ لا مفعول للصفة المشبهة وتخصيص اليوم بالإضافة مع أنه مالك وملك جميع الأشياء في كل الأوقات لتعظيم اليوم (إياك نعبد وإياك نستعين) قدم المعمول للحصر ولتقدمه تعالى في الوجود وللإشعار بأن العابد والمستعين ينبغي أن يكون نظرهما بالذات إلى الحق وكرر الضمير للتنصيص على تخصيص كل منهما به تعالى ولبسط الكلام مع المحبوب ولعل تقديم العبادة لتوافق الفواضل ولأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أدعى إلى الإجابة ولمناسبة تقديم مطلوبه تعالى من العباد على مطلوبهم ولأن المتكلم لما نسب العبادة إلى نفسه كان كالمعتد بما يصدر منه فعقبه بأنها أيضا لا تتم إلا بمعونة الله تعالى والضمير المستكن في الفعلين للقارئ وأثره على المفرد والمقام مقام تحقير لدخول الحفظة أو حاضري الجماعة أو كل موجود أو كل عضو من أعضائه (وإن من شئ إلا يسبح بحمده (سورة: الاسراء الآية 44) وإيذانا بحقارة نفسه عن عرض العبادة وطلب المعونة منفردا بدون الانضمام إلى جماعة تشاركه كما يصنع في عرض الهدايا ورفع الحوائج إلى الملوك واحترازا عن الكذب لو انفرد في ادعائه وحسن الالتفات هنا أن إظهار مزايا المحمود يحسن عند غيره بخلاف العبادة ونحوها فإنه ينبغي كتمانها عن غير المعبود فناسب الخطاب ولأنه أقرب إلى الإخلاص والإشارة إلى قوله عليه السلام اعبد الله كأنك تراه والله تعالى لغاية ظهوره كأنه حاضر مشاهد (اهدنا الصراط (2) المستقيم) أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به قبل حتى نطيعك بعد والهداية والرشاد والتثبت والصراط، الجادة والمستقيم المستوي أي طريق الحق وهو ملة الإسلام (صراط الذين أنعمت عليهم) (4) بالتوفيق لدينك وطاعتك من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (غير المغضوب عليهم) (5) من اليهود الذين قال الله فيهم من لعنه الله وغضب عليه (ولا الضالين) النصارى الذين قال الله فيهم (قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا (سورة: المائدة الآية 77)) وصح وقوع غير صفة للمعرفة إجراء للموصول مجرى النكرة إذ لم يقصد به معين معهود أو يجعل غير معرفة لأنه أضيف إلى ما له ضد وحد وإنما دخلت (لا) في ولا الضالين لما في غيره من معنى النفي وإنما صرح بإسناد النعمة إليه تعالى على طريق الخطاب دون الغضب والضلال تأدبا وإشارة إلى تأسيس مباني الرحمة وإن الغضب كأنه صادر عن غيره تعالى ولحسن التصريح بالوعد والتعريض بالوعيد كما في قوله (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد (سورة: إبراهيم الآية 7)) دون لأعذبنكم إشارة إلى أن العذاب والانتقام ونحوها عبارة عن أعمالهم تكون وبالا عليهم.

1 - ملك.
2 - الصراط.
3 - سراط وقرئ صراط من أنعمت.
4 - عليهم بضم الهاء.
5 - عليهم بضم الهاء عليهم وبكسر الهاء وضم الميم بعدها واو الجماعة وحيث وقع وكذا نظائرها من ميمات الجمع نحو أنذرتهم ورزقكم وعليكم.
(٣٩)
مفاتيح البحث: الجماعة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»