تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٥ - الصفحة ٦
. الأمم المكذبين للدعوة الحقة من عذاب الاستئصال في مسير الدعوة آخذا من زمن نوح إلى زمن المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام.
والسورة مكية، وسياق آياتها يشهد بذلك.
قوله تعالى: " قد أفلح المؤمنون " قال الراغب: الفلح - بالفتح فالسكون - الشق، وقيل: الحديد بالحديد يفلح أي يشق، والفلاح الظفر وإدراك بغية وذلك ضربان: دنيوي وأخروي، فالدنيوي الظفر بالسعادات التي تطيب بها الحياة الدنيا وهو البقاء والغني والعز، والأخروي أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، وغنى بلا فقر، وعز بلا ذل، وعلم بلا جهل، ولذلك قيل: لا عيش إلا عيش الآخرة. انتهى ملخصا.
فتسمية الظفر بالسعادة فلاحا بعناية أن فيه شقا للمانع وكشفا عن وجه المطلوب.
والايمان هو الاذعان التصديق بشئ بالالتزام بلوازمه، فالايمان بالله في عرف القرآن التصديق بوحدانيته ورسله واليوم الآخر وبما جاءت به رسله مع الاتباع في الجملة، ولذا نجد القرآن كلما ذكر المؤمنين بوصف جميل أو أجر جزيل شفع الايمان بالعمل الصالح كقوله: " من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة " النحل: 97، وقوله: " الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب " الرعد: 29، إلى غير ذلك من الآيات وهي كثيرة جدا.
وليس مجرد الاعتقاد بشئ ايمانا به حتى مع عدم الالتزام بلوازمه وآثاره فإن الايمان علم بالشئ مع السكون والاطمئنان إليه ولا ينفك السكون إلى الشئ من الالتزام بلوازمه لكن العلم ربما ينفك من السكون والالتزام ككثير من المعتادين بالاعمال الشنيعة أو المضرة فإنهم يعترفون بشناعة عملهم أو ضرره لكنهم لا يتركونها معتذرين بالاعتياد وقد قال تعالى: " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم " النمل: 14.
والايمان وإن جاز أن يجتمع مع العصيان عن بعض لوازمه في الجملة لصارف من الصوارف النفسانية يصرف عنه لكنه لا يتخلف عن لوازمه بالجملة.
قوله تعالى: " الذين هم في صلاتهم خاشعون " الخشوع تأثر خاص من المقهور قبال القاهر بحيث ينقطع عن غيره بالتوجه إليه والظاهر أنه من صفات القلب ثم ينسب إلى الجوارح أو غيرها بنوع من العناية كقوله صلى الله عليه وآله وسلم - على ما روي - فيمن بعبث بلحيته
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»
الفهرست