تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٠ - الصفحة ٣١٠
انتهى، فالعمارة تحويل الأرض إلى حال تصلح بها أن ينتفع من فوائدها المترقبة منها كعمارة الدار للسكنى والمسجد للعبادة والزرع للحرث والحديقة لاجتناء فاكهتها والتنزه فيها والاستعمار هو طلب العمارة بأن يطلب من الانسان أن يجعل الأرض عامرة تصلح لان ينتفع بما يطلب من فوائدها.
وعلى ما مر يكون معنى قوله: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) - والكلام يفيد الحصر - أنه تعالى هو الذي أوجد على المواد الأرضية هذه الحقيقة المسماة بالانسان ثم كملها بالتربية شيئا فشيئا وأفطره على أن يتصرف في الأرض بتحويلها إلى حال ينتفع بها في حياته، ويرفع بهاما يتنبه له من الحاجة والنقيصة أي إنكم لا تفتقرون في وجودكم وبقائكم إلا إليه تعالى وتقدس.
فقول صالح: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) في مقام التعليل وحجة يستدل بها على ما ألقاه إليهم من الدعوة بقوله: (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) ولذلك جئ بالفصل كأنه قيل له: لم نعبده وحده؟ فقال:
لأنه هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها.
وذلك لانهم إنما كانوا يعبدون الأوثان ويتخذونها شركاء لله تعالى لانهم كانوا يقولون - على مزعمتهم - إن الله سبحانه أعظم من أن يحيط به فهم وأرفع وأبعد من أن تناله عبادة أو ترتفع إليه مسألة، ولا بد للانسان من ذلك فمن الواجب أن نعبد بعض مخلوقاته الشريفة التي فوض إليه أمر هذا العالم الأرضي وتدبير النظام الجاري فيه ونتقرب بالتضرع إليه حتى يرضى عنا فينزل علينا الخيرات، ولا يسخط علينا ونأمن بذلك الشرور، وهذا الاله الرب بالحقيقة شفيعنا عند الله لأنه إله الالهة ورب الأرباب، وإليه يرجع الامر كله.
فدين الوثنية مبنى على انقطاع النسبة بين الله سبحانه وبين الانسان واستقرارها بينه وبين تلك الوسائط الشريفة التي يتوجهون إليها مع استقلال هذه الوسائط في التأثير، وشفاعتها عند الله.
ولما كان الله تعالى هو الذي أنشأ الانسان من الأرض واستعمره فيها فهو تعالى ذو نسبة إلى الانسان قريب منه، ولا استقلال لشئ من هذه الأسباب التي
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة يونس 5
2 سورة هود 134
3 (25 - 35) كلام في قدرة الأنبياء والأولياء (بحث فلسفي قرآني) 210
4 (36 - 49) أبحاث حول قصة نوح في فصول (بحث قرآني روائي) 247
5 1 - الإشارة إلى قصته (بحث تاريخي فلسفي) 247
6 2 - قصته عليه السلام في القرآن: 248
7 بعثه وإرساله، دينه وشريعته 248
8 لبثه في قومه، صنعه الفلك 249
9 نزول العذاب ومجئ الطوفان 250
10 قضاء الأمر ونزوله ومن معه إلى الأرض 250
11 قصة ابن نوح الغريق 250
12 3 - خصائص نوح عليه السلام 251
13 4 - قصته في التوراة الحاضرة 252
14 5 - ما جاء في أمر الطوفان في أخبار الأمم وأساطيرهم 257
15 6 - هل كانت نبوته عامة للبشر؟ 259
16 7 - هل الطوفان كان عاما لجميع الأرض؟ 264
17 بحث جيلوجي ملحق بهذا الفصل في فصول 1 - الأراضي الرسوبية 266
18 2 - الطبقات الرسوبية أحدث القشور والطبقات الجيلوجية 267
19 3 - انبساط البحار واتساعها 268
20 4 - العوامل المؤثرة في ازدياد المياه وغزارة عملها في عهد الطوفان 269
21 5 - نتيجة البحث 270
22 6 - عمره عليه السلام الطويل 270
23 7 - أين هو جبل الجودي؟ 271
24 8 - شبهة وجوابها 271
25 (36 - 49) كلام في عبادة الأصنام وفيه فصول (بحث قرآني روائي) 1 - الانسان واطمئنانه إلى الحس (تاريخي فلسفي) 272
26 2 - الإقبال إلى الله بالعبادة 274
27 3 - كيف نشأت الوثنية؟ 275
28 4 - اتخاذ الأصنام لأرباب الأنواع وغيرهم 277
29 5 - الوثنية الصابئة 278
30 6 - الوثنية البرهمية؟ 279
31 7 - الوثنية البوذية 283
32 8 - وثنية العرب 285
33 9 - دفاع الاسلام عن التوحيد ومنازلته الوثنية 287
34 10 - بناء سيرة النبي على التوحيد ونفي الشركاء 290
35 كلام آخر ملحق بالكلام السابق في فصول 290
36 1 - التناسخ عند الوثنيين 290
37 2 - سريان هذه المحاذير إلى سائر الأديان 293
38 3 - إصلاح الاسلام لهذه المفاسد 294
39 4 - إشكال الاستشفاع والتبرك في الاسلام 295
40 كلام في قصة هود (بحث تاريخي قرآني) 307
41 1 - عاد قوم هود 307
42 2 - شخصية هود المعنوية 308
43 كلام في قصة صالح في فصول (بحث تاريخي قرآني) 317
44 1 - ثمود قوم صالح عليه السلام 2 - بعثة صالح 317
45 3 - شخصية صالح 318
46 كلام في قصة البشرى (بحث قرآني) 332
47 كلام في قصة لوط وقومه في فصول: (بحث قرآني تاريخي) 352
48 1 - قصته وقصة قومه في القرآن 352
49 2 - عاقبة أمرهم 353
50 3 - شخصية لوط المعنوية 4 - لوط وقومه في التوراة 354
51 (82 - 95) كلام في معنى حرية الانسان في عمله 370
52 (82 - 95) كلام في قصة شعيب وقومه في القرآن في فصول: (بحث قرآني تاريخي) 377
53 1 - قصته عليه السلام 377
54 2 - شخصيته المعنوية 3 - ذكره في التوراة 378