تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ٢ - الصفحة ٣٦١
وفي قرب الإسناد للحميري: هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة بن زياد قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول لأبيه: يا أبه إن فلانا يريد اليمن، أفلا أزوده بضاعة يشتري بها عصب اليمن؟ (1) فقال له: بابني، لا تفعل، قال: فلم؟
قال: فإنها إذا ذهبت لم تؤجر عليها ولم يخلف عليك، لان الله تعالى يقول:
" ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما " فأي سفيه بعد النساء أسفه من شارب الخمر (2).
وفي من لا يحضره الفقيه: سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن قول الله (عز وجل):
" ولا تؤتوا السفهاء أموالكم "؟ قال: لا تؤتوها شراب الخمر ولا النساء، ثم قال:
وأي سفيه أسفه من شارب الخمر (3).
وفي أصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حماد، عن عبد الله بن سنان، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام):
إذا حدثتكم بشئ فاسألوني من كتاب الله، ثم قال في بعض حديثه: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن القيل والقال وفساد المال وكثرة السؤال، فقيل له: يا بن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟ قال: إن الله (عز وجل) يقول:
" لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " (4)، وقال: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما "، وقال:
" لا تسألوا عن أشياء ان تبدلكم تسؤكم " (5) (6).

(١) العصب: برود يمنية يعصب غزلها: أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ، يقال: برد عصب وبرود عصب بالتنوين والإضافة، وقيل: هي برود مخططة، والعصب: الفتل، والعصاب الغزال (النهاية: ج ٣ ص ٢٤٥).
(٢) قرب الإسناد: ص ١٣١ س ٥.
(٣) من لا يحضره الفقيه: ج ٤ ص ١٦٨ باب ١٢٠ كراهية الوصية إلى المرأة ح ٢.
(٤) النساء: ١١٤.
(٥) المائدة: ١٠١.
(٦) (إذا حدثتكم بشئ فاسألوني من كتاب الله) أي فسألوني عن موضعه ومأخذه من كتاب الله.
وفيه تنبيه على أن كل شئ كان أو يكون أو كائن فهو في القرآن، لأنه برهان كل علم، ودليل كل شئ، ونور كل حق، وصراط كل غائب، وشاهد كل حكم، وضياء كل صدق، فكل فعل لا يطابقه فهو باطل، وكل قول لا يوافقه فهو كاذب، وكل من تمسك برأيه فهو خاسر (ثم قال في بعض حديثه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عن القيل والقال) وهما إما فعلان ماضيان خاليان عن الضمير، جاريان مجرى الأسماء مستحقان للأعراب وإدخال حرف التعريف عليهما، أو مصدران، يقال: قلت قولا وقيلا وقالا وقالة.
والمقصود أنه نهى (صلى الله عليه وآله وسلم) عن فضول ما يتحدث به المتحدثون وزوائد ما يتكلم به المتجالسون، مثل الخوض في أخبار الناس وحكاية أقوالهم وأفعالهم، ونقل أحداث الزمان ووقائعها، مما لا يجدي نفعا، ولا يورث حكمة، فإن ذلك يوجب فساد القلب ورينه وميله إلى أمثال تلك المزخرفات واشتغاله عن تعلم ما لابد منه من العلوم الدينية والمعارف اليقينية.
وقيل: القال، الابتداء، والقيل الجواب.
وقيل: نهى عن كثرة الكلام مبتدئا ومجيبا.
وقيل: نهى عن الأقوال التي توقع الخصومة بين الناس بما يحكى لبعض عن بعض.
وقيل: نهى عن المناظرة في العلم والمجادلة في البحث، فإن المناظرة لقصد الغلبة في العلم والمفاخرة بالفضل تورث النفاق والعداوة والأخلاق المهلكة والذنوب المردية والآفات الكثيرة.
والأحسن التعميم وإرادة جميع هذه الأمور، فإن كلها مذموم عقلا ونقلا.
(وفساد المال) أي نهى عن فعل ما يوجب فساده، مثل صرفه في غير الجهات المشروعة، وترك ضبطه وحفظه، وإعطاء الدين دون إشهاد أو وثيقة بغير الموثوق به، وإيداعه عند الخائن وأمثال ذلك.
وأما تحسين الطعام والثياب وتكثيرها وتوسيع الدار فليس من إفساد المال للموسع عليه.
وإفساد المال مذموم قطعا، لان المال الحلال مكسبه ضيق جدا وفساده يوجب هلاك النفس وتضييع العيال، أو التعرض لما في أيدي الناس، ولان الله تعالى إنما أعطاه ليصرف في وجوه البر وأبواب الخير، فمن أفسده كان كم ضاد الحق وعاداه، وبالجملة في حفظه مصلحة للدين والدنيا.
(وكثرة السؤال) عن أمور لا يحتاجون إليها، سواء كانت من الأمور الدنيوية أو الدينية كما مر أن مثل العالم مثل النخلة تنتظرها حتى يسقط عليك منها شئ. وفيه حث على ترك الالحاح في السؤال، وأن رجلا سأل علي بن الحسين (عليه السلام) عن مسائل فأجاب، ثم عاد ليسأل عن مثلها، فقال (عليه السلام): مكتوب في الإنجيل، لا تطلبوا علم ما لا تعلمون، ولما تعملوا بما علمتم، وقد نقل أن بعض أهل العلم سئل عن شئ فأجابه، فقيل له فإن كان كذا فأجابه، ثم قيل له فإن كان كذا، فقال: هذه سلسلة متصلة بأخرى. إنما قال ذلك، لكراهة الاستكثار في الاستفهام، وذلك مذموم خصوصا من الجاهل الذي لا يقدر على إدراك حقائق الأشياء كما هي، ومعرفة أصول العقائد كما ينبغي، وفهم غوامض المسائل من أحوال المبدأ والمعاد والجبر والقدر والتفويض وأمثال ذلك فإن وغوله في ذلك يوجب حيرته وضلالته وكفره.
(فقيل له: يا بن رسول الله أين هذا من كتاب الله) سئل سائل عن مدارك هذه الأمور الثلاثة ومواضعها من كتاب الله تعلما وتفهما، (قال: إن الله تعالى يقول: " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " هذا مأخذ للأول، والنجو السربين الاثنين، والمعروف كل ما يستحسنه الشرع ولا ينكره العقل، وقد فسر هنا بالقرض وإغاثة الملهوف وصدقة التطوع وغير ذلك (وقال: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " نهى الأولياء عن أن يؤتوا السفهاء الذين لا رشد لهم أموالهم، فينفقونها فيما لا ينبغي (وقال: " لا تسألوا عن أشياء ان تبدلكم تسؤكم ") والمعنى: لا تسألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن تكاليف شاقة عليكم إن حكم بها عليكم وكلفكم بها تغمكم وتشق عليكم وتندموا على السؤال عنها (ثم نقل قصة سراقة بن مالك في الحج، وقصة بني إسرائيل في البقرة، وقصة موسى والخضر، وما قاله ابن عباس حين الخطبة) إلى أن قال: وقال بعض أصحابنا: يندرج في هذا النهي تكلم أكثر المتكلمين الذين يخضون في البحث عن صفات الله وأفعاله وآياته وكلماته بمجردا اعتقاده ورأيه، أو باتباعه من اشتهر في هذه الصنعة، فإن من أراد أن يعرف خواص أسرار المبدأ والمعاد بهذه الصنعة المسماة بعلم الكلام فهو في خطر عظيم، إذ طريق معرفة الله والسبيل إلى عجائب ملكوته وأسرار كتبه ورسله شئ آخر، ومن تمسك بغيره فهو في حجاب كثيف وخطر شديد (تلخيص من شرح أصول الكافي للعلامة المازندراني: ج ٢ ص ٣٤٢ إلى ٣٤٨).
الكافي: ج ١ ص ٦٠ كتاب فضل العلم، باب الرد إلى الكتاب والسنة،.. ح 5.
(٣٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 356 357 358 359 360 361 363 364 365 366 367 ... » »»
الفهرست