العلم ويؤيده قوله: " الناس في سعة ما لم يعلموا " (1) وقوله: " لا أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم " (2) إلى غير ذلك من الأخبار، وحينئذ فالمكلف إذا توضأ بهذا الماء الطاهر في اعتقاده وإن لاقته نجاسة واقعا، فطهارته شرعية مجزئة، وصلاته بتلك الطهارة شرعية مجزئة اجماعا. فبعد ثبوت النجاسة في ماء وضوئه وانكشاف الأمر لديه فوجوب قضاء تلك العبادة التي مضت على الصحة من وضوء وصلاة وإعادتها يحتاج إلى دليل، وليس فليس. وصدق الفوات على مثل هذه العبادة - كما ادعاه في الذكرى - ممنوع، كيف وقد فعل المأمور به شرعا، وامتثال الأمر يقتضي الاجزاء والصحة كما حقق في محله.
والتحقيق في هذا المقام - وإن استدعى مزيد بسط في الكلام، فإن المسألة مما لم يحم حول حريم تحقيقها أحد من الأقوام مع كونها كالأصل لابتناء جملة من الأحكام - أن يقال: الخلاف في هذه المسألة مبني على مسألتين أخريين: إحداهما - معذورية الجاهل وعدمها، وثانيتهما - أن النجس شرعا هل هو عبارة عما لاقته النجاسة واقعا خاصة أو عما علم المكلف بملاقاة النجاسة له، والمشهور بين الأصحاب في المسألة الأولى هو عدم معذورية الجهل إلا في مواضع مخصوصة، والمشهور من الأخبار - كما أسلفنا بيانه في المقدمة المشار إليها آنفا - هو المعذورية إلا في مواضع خاصة، والمستفاد من كلامهم في المسألة الثانية أن النجس شرعا هو ما لاقته النجاسة وإن لم يعلم به المكلف، غاية الأمر أنه مع عدم العلم ترتفع عنه المؤاخذة، فعلى هذا لو صلى في النجاسة أو توضأ بماء متنجس كان كل من صلاته ووضوءه باطلا في الواقع وإن ارتفع الإثم عنه في ظاهر الأمر، نقل ذلك عنهم شيخنا الشهيد الثاني في شرح الرسالة في الفصل الثالث في المنافيات