تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٧٠٩
وفي الكلام اختصار كثير، أي: فمضى الهدهد وألقى إليهم الكتاب، فلما قرأته بلقيس * (قالت) * لقومها بعد أن جمعتهم: * (يا أيها الملأ) * يعني: الأشراف * (إني ألقى إلى كتب كريم) * وصفته بالكرم لأنه من عند ملك كريم، أو كتاب حسن مضمونه وما فيه، أو مختوم لقوله (عليه السلام): " كرم الكتاب ختمه " (1)، أو: لأنه صدره ببسم الله الرحمن الرحيم. * (إنه من سليمان) * استئناف وتبيين لما ألقي إليها، كأنه قيل لها: ممن هو، وما هو؟ فقالت: إنه من سليمان. و " أن " في * (ألا تعلوا) * مفسرة، والمعنى: لا تتكبروا كما يفعل الملوك * (وأتوني) * منقادين مستسلمين، أو: مؤمنين.
الفتوى: الجواب في الحادثة، وأرادت أن يشيروا عليها بما عندهم فيما حدث لها من الرأي والتدبير، وقصدت بالرجوع إلى استشارتهم استعطافهم ليوافقوها ويقوموا معها * (قاطعة أمرا) * أي: فاصلة، لا أقطع أمرا إلا بحضوركم.
* (نحن أولوا قوة) * في الأجساد والآلات والعدد * (وأولوا بأس) *: أي نجدة وبلاء في الحرب * (والامر) * موكول * (إليك) * ونحن مطيعون لك، فمرينا بأمرك نطع أمرك ونتبع رأيك.
فمالت إلى الصلح ورأت الابتداء بالأحسن، وذكرت في الجواب لهم عاقبة الحرب (2) وسوء مغبتها (3)، و * (إن الملوك إذا دخلوا قرية) * قسرا وعنوة خربوها، وأذلوا أعزتها، وقتلوا وأسروا، ثم قالت: * (وكذلك يفعلون) * أي: وهذه عادتهم المستمرة الثابتة التي لا تتغير، وقيل: هو تصديق من الله سبحانه لقولها (4).
ثم ذكرت حديث الهدية، وما رأت من الرأي في ذلك، أي: * (مرسلة إليهم) *

(١) أخرجه العجلوني في كشف الخفاء: ج ٢ ص ١٦٠.
(2) في نسخة: " الأمور ".
(3) غب الأمر ومغبته: عاقبته وآخره. (لسان العرب: مادة غيب).
(4) حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 365.
(٧٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 704 705 706 707 708 709 710 711 712 713 714 ... » »»