تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٥٢٣
كانوا يستعجلون عذاب الله ويقولون: * (متى هذا الوعد) *، فأراد الله سبحانه نهيهم عن الاستعجال فقدم أولا ذم * (الانسان) * على العجلة وأنه مطبوع عليها، ثم نهاهم وزجرهم، فكأنه قال: ليس ببدع منكم أن تستعجلوا، فإنكم مجبولون على ذلك وهو سجيتكم، وعن ابن عباس: أنه أراد بالإنسان آدم، إنه لما بلغ الروح صدره أراد أن يقوم (1)، والظاهر أن المراد به الجنس، وقيل: العجل: الطين بلغة حمير (2) واستشهد بقول شاعرهم:
والنبع ينبت بين الصخر صاخية * والنخل ينبت بين الماء والعجل (3) وجواب * (لو) * محذوف أي: لو علموا لما قاموا على الكفر ولما استعجلوا، و * (حين) * مفعول * (يعلم) *، أي: * (لو يعلم الذين كفروا) * الوقت الذي يستعجلون عنه بقولهم: متى هذا الوعد، وهو وقت صعب يحيط بهم فيه * (النار) * من ورائهم وقدامهم، فلا يقدرون على رفعها من نفوسهم، ولا يجدون ناصرا ينصرهم، لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء، ويجوز أن يكون * (يعلم) * متروكا بلا تعدية بمعنى: لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين، ويكون * (حين) * منصوبا بمضمر، أي: * (حين لا يكفون عن وجوههم النار) * يعلمون أنهم كانوا على الباطل. * (بل) * تفجأهم الساعة أو النار التي وعدوا بها فتغلبهم، ويقال

(1) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 117.
(2) قاله أبو عبيد على ما حكاه عنه الرازي في تفسيره: ج 22 ص 172.
(3) لم نعثر على اسم الشاعر الحميري فيما توفرت لدينا من مصادر، وروي صدره:
والنبع في الصخرة الصماء منبته يقول: النبع - وهو شجر تتخذ منه القسي - إنما نباته بين الصخور الصلبة لا في غيرها، بينما النخل ينبت في الأرض الرخوة اللينة والريانة، فهو بين الماء والطين، والظاهر هما كناية على الصعب البخيل والسهل الجواد، أو على الشجاع والجبان لشدة الأول ورخاوة الثاني. انظر شرح شواهد الكشاف للأفندي: ص 201.
(٥٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 518 519 520 521 522 523 524 525 526 527 528 ... » »»