تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ١٤٨
فهلا * (كانت قرية) * واحدة من القرى التي أهلكناها تابت عن الكفر، و * (آمنت) * وقت بقاء التكليف قبل معاينة البأس، ولم تؤخر التوبة كما أخرها فرعون إلى أن أدركه الغرق * (فنفعها إيمانها) * بأن يقبله الله منها * (إلا قوم يونس) * استثناء من القرى، لأن المراد أهاليها، وهو استثناء منقطع بمعنى: ولكن قوم يونس، ويجوز أن يكون متصلا والجملة في معنى النفي، كأنه قيل: ما آمنت قرية من القرى الهالكة إلا قوم يونس، وكان قد بعث إلى نينوى (1) من أرض الموصل (2)، فكذبوه، فذهب عنهم مغاضبا، فلما فقدوه خافوا نزول العذاب، فلبسوا المسوح وعجوا وبكوا، فصرف الله * (عنهم) * العذاب وكان قد نزل وقرب منهم، وعن الفضيل بن عياض: أنهم قالوا: اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم منها وأجل، افعل بنا ما أنت أهله، ولا تفعل بنا ما نحن أهله (3).
* (ولو شاء ربك) * مشيئة الإلجاء * (لامن من في الأرض كلهم) * على وجه الإحاطة والعموم * (جميعا) * مجتمعين على الإيمان، يدل عليه قوله: * (أفأنت تكره الناس) * يعني: إنما يقدر الله على إكراههم لا أنت، لأنه هو يقدر أن يفعل في قلوبهم ما يضطرون عنده إلى الإيمان، وليس ذلك في مقدور القدر، ولا يستطيعه البشر.

(1) وهي قرية قديمة لا تزال آثارها باقية قبالة مدينة الموصل في العراق، وهي مدينة يونس ابن متى النبي (عليه السلام). راجع معجم البلدان للحموي: ج 4 ص 870.
(2) الموصل: وهي مدينة قديمة مشهورة، اختطها هرثمة بن عرفجة البارقي، وكان قبل ذلك حصنا فيه بيع ومنازل للنصارى واليهود، فأنزل هرثمة المسلمين منازلهم، ومصر المدينة لهم، قالوا: وسميت بالموصل لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقيل: وصلت بين دجلة والفرات، وفي وسطها قبر جرجيس النبي (عليه السلام). راجع فتوح البلدان للبلاذري: ج 2 ص 331 - 333.
(3) حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 372.
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 153 154 ... » »»