الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٩٣
ولا يكاد يبين * فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين * فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين * فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين * فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا أألهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم
____________________
الرجال من اللسن والفصاحة وكانت الأنبياء كلهم أبيناء بلغاء. وأراد بإلقاء الأسورة عليه إلقاء مقاليد الملك إليه لأنهم كانوا إذا أرادوا تسويد الرجل سوروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب (مقترنين) إما مقترنين به من قولك قرنته فاقترن به، وإما من اقترنوا بمعنى تقارنوا، لما وصف نفسه بالملك والعزة ووازن بينه وبين موسى صلوات الله عليه فوصفه بالضعف وقلة الإعضاد اعترض فقال: هلا إن كان صادقا ملكه ربه وسوده وسوره وجعل الملائكة أعضاده وأنصاره. وقرئ أساور جمع أسورة وأساوير جمع إسوار وهو السوار وأساورة على تعويض التاء من ياء أساوير. وقرئ ألقى عليه أسورة وأساور على البناء للفاعل وهو الله عز وجل (فاستخف قومه) فاستفزهم وحقيقته حملهم على أن يخفوا له ولما أراد منهم، وكذلك استفز من قولهم للخفيف فز (آسفونا) منقول من أسف أسفا إذا اشتد غضبه، ومنه الحديث في موت الفجأة " رحمة للمؤمن وأخذة أسف للكافر " ومعناه: أنهم أفرطوا في المعاصي وعدوا طورهم فاستوجبوا أن نعجل لهم عذابنا وانتقامنا وأن لا نحلم عنهم. وقرئ سلفا جمع سالف كخادم وخدم وسلفا بضمتين جمع سليف: أي فريق قد سلف وسلفا جمع سلفة: أي ثلة قد سلفت، ومعناه:
فجعلناهم قدوة للآخرين من الكفار يقتدون بهم في استحقاق مثل عقابهم ونزوله بهم لإتيانهم بمثل أفعالهم، وحديثا عجيب الشأن سائرا مسير المثل يحدثون به ويقال لهم مثلكم مثل قوم فرعون. لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قريش - إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم - امتعضوا من ذلك امتعاضا شديدا، فقال عبد الله بن الزبعرى: يا محمد أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم فقال: خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أن عيسى بن مريم نبي وتثنى عليه خيرا وعلى أمه وقد علمت أن النصارى يعبدونهما وعزير يعبد والملائكة يعبدون، فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، ففرحوا وضحكوا، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى - إن الذين سبقت لهم منا الحسنى - ونزلت هذه الآية، والمعنى: ولما ضرب عبد الله بن الزبعرى عيسى بن مريم مثلا وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه (إذا قومك) قريش من هذا المثل (يصدون) ترتفع لهم جلبة وضجيج فرحا وجذلا وضحكا بما سمعوا منه من إسكات رسول الله صلى الله عليه وسلم بجدله كما يرتفع لغط القوم ولجبهم إذا تعيوا بحجة ثم فتحت عليهم. وأما من قرأ يصدون بالضم فمن الصدود: أي من أجل هذا المثل يصدون عن الحق ويعرضون عنه. وقيل من الصديد وهو الجلبة وأنهما لغتان نحو يعكف ويعكف ونظائر لهما (وقالوا آلهتنا خير أم هو) يعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى، وإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هينا (ما ضربوه) أي ما ضربوا هذا المثل (لك إلا جدلا) إلا لأجل الجدل والغلبة في القول لا لطلب الميز بين الحق والباطل (بل هم
(٤٩٣)
مفاتيح البحث: الضرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 488 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 ... » »»