الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٥٧٤
بل متعنا هؤلاء وآباؤهم حتى طال عليهم العمر أفلا يرون أنا نأتى الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون. قل إنما أنذركم بالوحي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون. ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين. ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل
____________________
استأنف فبين أن ما ليس بقادر على نصر نفسه ومنعها ولا بمحصوب من الله بالنصر والتأييد كيف يمنع غيره وينصره. ثم قال: بل ما هم فيه من الحفظ والكلاءة إنما هو منا لا من مانع يمنعهم من إهلاكنا، وما كلأناهم وآباءهم الماضين إلا تمتيعا لهم بالحياة الدنيا وإمهالا كما منعنا غيرهم من الكفار وأمهلناهم (حتى طال عليهم) الأمد وامتدت بهم أيام الروح والطمأنينة، فحسبوا أن لا يزالوا على ذلك لا يغلبون ولا ينزع عنهم ثوب أمنتهم واستمتاعهم وذلك طمع فارغ وأمد كاذب (أفلا يرون أنا) ننقص أرض الكفر ودار الحرب ونحذف أطرافها بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها وردها دار إسلام. فإن قلت: أي فائدة في قوله نأتى الأرض؟ قلت: الفائدة فيه تصوير ما كان الله يجريه على أيدي المسلمين، وأن عساكرهم وسراياهم كانت تعزو أرض المشركين وتأتيها غالبة عليها ناقصة من أطرافها. قرئ (ولا يسمع الصم) ولا تسمع الصم بالتاء والياء: أي لا تسمع أنت الصم ولا يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يسمع الصم من أسمع. فإن قلت: الصم لا يسمعون دعاء المبشر كما لا يسمعون دعاء المنذر فكيف قيل (إذا ما ينذرون)؟ قلت: اللام في الصم إشارة إلى هؤلاء المنذرين كائنة للعهد لا للجنس، والأصل ولا يسمعون إذا ما ينذرون، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامهم وسدهم أسماعهم إذا أنذروا: أي هم على هذه الصفة من الجراءة والجسارة على التصام من آيات الإنذار (ولئن مستهم) من هذا الذي ينذرون به أدنى شئ لأذعنوا وذلوا وأقروا بأنهم ظلموا أنفسهم حين تصاموا وأعرضوا.
وفى المس والنفحة ثلاث مبالغات، لأن النفح في معنى القلة والنذارة، يقال نفحته الدابة وهو رمح يسير ونفحه بعطية رضخه ولبناء المرة. وصفت (الموازين) بالقسط وهو العدل مبالغة كأنها في أنفسها قسط أو على حذف المضاف: أي ذوات القسط، واللام في (ليوم القيامة) مثلها في قولك جئته لخمس ليال خلون من الشهر، ومنه بيت النابغة:
ترسمت آيات لها فعرفتها * لست أعوام وذا العام سابع وقيل لأهل يوم القيامة: أي لأجلهم. فإن قلت: ما المراد بوضع الموازين؟ قلت: فيه قولان: أحدهما إرصاد الحساب السوى والجزاء على حسب الأعمال بالعدل والنصفة من غير أن يظلم عباده مثقال ذرة، فمثل ذلك بوضع الموازين لتوزن بها الموزونات، والثاني أنه يضع الموازين الحقيقية ويزن بها الأعمال. عن الحسن: هو ميزان له كفتان ولسان. ويروى أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان، فلما رآه غشى عليه ثم أفاق فقال:
يا إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات؟ فقال: يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة. فإن قلت:
كيف توزن الأعمال وإنما هي أعراض؟ قلت: فيه قولان: أحدهما توزن صحائف الأعمال، والثنى تعجل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة وفى كفة السيئات جواهر سود مظلمة. وقرئ (مثقال حبة) على كان التامة كقوله
(٥٧٤)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 569 570 571 572 573 574 575 576 577 578 579 ... » »»