الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٥٢
وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا. نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا. انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا. وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا. قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة
____________________
فكيف يبصر المحتجب به، وهذه حكاية لما كانوا يقولونه - وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعوننا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب - كأنه قال: وإذا قرأت القرآن جعلنا على زعمهم (أن يفقهوه) كراهة أن يفقهوه أو لأن قوله - وجعلنا على قلوبهم أكنة - فيه معنى المنع من الفقه، فكأنه قيل: ومنعناهم أن يفقهوه. يقال وحد يحد وحدا وحدة نحو وعد يعد وعدا وعدة، و (وحده) من باب رجع عوده على بدئه وافعله جهدك وطاقتك في أنه مصدر ساد مسد الحال، أصله يحد وحده بمعنى واحدا وحده. والنفور مصدر بمعنى التولية أو جمع نافر كقاعد وقعود: أي يحبون أن تذكر معه آلهتهم لأنهم مشركون فإذا سمعوا بالتوحيد نفروا (بما يستمعون به) من الهزء بك وبالقرآن، ومن اللغو كأن يقوم عن يمينه إذا قرأ رجلان من عبد الدار ورجلان منهم عن يساره فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار، وبه في موضع الحال كما تقول يستمعون بالهزء: أي هازئين، و (إذ يستمعون) نصب بأعلم: أي أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون (وإذا هم نجوى) وبما يتناجون به إذ هم ذوو نجوى (إذ يقول) بدل من إذ هم (مسحورا) سحر فجن، وقيل هو من السحر وهو الرئة: أي هو بشر مثلكم (ضربوا لك الأمثال) مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون (فضلوا) في جميع ذلك ضلال من طلب في التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه فهو متحير في أمره لا يدري ما يصنع. لما قالوا: أئذا كنا عظاما، قيل لهم (كونوا حجارة أو حديدا) فرد قوله كونوا على قولهم كنا كأنه قيل: كونوا حجارة أو حديدا، ولا تكونوا عظاما فإنه يقدر على إحيائكم، والمعنى: أنكم تستبعدون أن يجدد الله خلقكم ويرده إلى حال الحياة وإلى رطوبة الحي وغضاضته بعد ما كنتم عظاما يابسة، مع أن العظام بعض أجزاء الحي بل هي عمود خلقه الذي يبنى عليه سائره، فليس ببدع أن يردها الله بقدرته إلى حالتها الأولى، ولكن لو كنتم أبعد شئ من الحياة ورطوبة الحي ومن جنس ما ركب منه البشر وهو أن تكونوا حجارة يابسة أو حديدا مع أن طباعها الجساوة والصلابة، لكان قادرا على أن يردكم إلى حال الحياة (أو خلقا مما يكبر في صدوركم) يعني أو خلقا مما يكبر عندكم عن قبول الحياة ويعظم في زعمكم على
(٤٥٢)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 447 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 ... » »»