الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٤٥٠
كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها. ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما. ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا. قل لو كان معه آلهة كما تقولون إذا
____________________
المصاحف وسيئات، وفي قراءة أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان شأنه. فإن قلت: كيف قيل سيئة مع قوله مكروها؟ قلت: السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنيثه، ولا فرق بين من قرأ سيئة وسيئا، ألا تراك تقول: الزنى سيئة كما تقول السرقة سيئة، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث. فإن قلت: فما ذكر من الخصال بعضها سئ وبعضها حسن، ولذلك قرأ من قرأ سيئه بالإضافة فما وجه من قرأ سيئة؟ قلت: كل ذلك إحاطة بما نهى عنه خاصة لا بجميع الخصال المعدودة (ذلك) إشارة إلى ما تقدم من قوله - لا تجعل مع الله إلها آخر - إلى هذه الغاية. وسماه حكمة لأنه كلام محكم لا مدخل فيه للفساد بوجه. وعن ابن عباس: هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى ألها - لا تجعل مع الله إلها آخر - قال الله تعالى - وكتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة - وهي عشر آيات في التوراة، ولقد جعل الله فاتحتها وخاتمتها النهي عن الشرك لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها، ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذ فيها الحكماء وحك بيافوخه السماء، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم وهم عن دين الله أضل من النعم (أفأصفاكم) خطاب للذين قالوا الملائكة بنات الله والهمزة للإنكار: يعني أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون لم يجعل فيهم نصيبا لنفسه، واتخذ أدونهم وهي البنات، وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب ويكون أردؤها وأدونها للسادات (إنكم لتقولون قولا عظيما) بإضافتكم إليه الأولاد وهي خاصة بالأجسام، ثم إنكم تفضلون عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون، ثم بأن تجعلوا الملائكة وهم أعلى خلق الله وأشرفهم أدون خلق الله وهم الإناث (ولقد صرفنا في هذا القرآن) يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى الله البنات لأنه مما صرفه وكرر ذكره، والمعنى: ولقد صرفنا القول في هذا المعنى وأوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير. ويجوز أن يشير بهذا القرآن إلى التنزيل ويريد: ولقد صرفنا:
يعني هذا المعنى في مواضع التنزيل، فترك الضمير لأنه معلوم، وقرئ صرفنا بالتخفيف وكذلك (ليذكروا) قرئ مشددا ومخففا: أي كررناه ليتعظوا ويعتبروا ويطمئنوا إلى ما يحتج به عليهم، ف‍ (ما يزيدهم إلا نفورا) عن الحق وقلة طمأنينة إليه. وعن سفيان: كان إذا قرأها قال: زادني لك خضوعا ما زاد أعداءك نفورا. قرئ كما تقولون بالتاء والياء، و (إذا) دالة على أن ما بعدها وهو لابتغوا جواب عن مقالة المشركين وجزاء للو، ومعنى
(٤٥٠)
مفاتيح البحث: القرآن الكريم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 445 446 447 448 449 450 451 452 453 454 455 ... » »»