الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٩
يعلمون. وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون. وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب
____________________
مفعول. والمعنى: فلكم مستقر في الرحم ومستودع في الصلب، أو مستقر فوق الأرض ومستودع تحتها، أو فمنكم مستقر ومنكم مستودع. فإن قلت: لم قيل (يعلمون) مع ذكر النجوم و (يفقهون) مع ذكر إنشاء بني آدم؟
قلت: كان إنشاء الانس من نفس واحدة وتصريفهم بين أحوال مختلفة ألطف وأدق صنعة وتدبيرا، فكان ذكر الفقه الذي هو استعمال فطنة وتدقيق نظر مطابقة له (فأخرجنا به) بالماء (نبات كل شئ) نبت كل صنف من أصناف النامي: يعني أن السبب واحد وهو الماء، والمسببات صنوف مفتنة كما قال - تسقى بماء واحد - ونفضل بعضها على بعض في الأكل - (فأخرجنا منه) من النبات (خضرا) شيئا غضا أخضر، يقال اخضر وخضر كاعور وعور: وهو ما تشعب من أصل النبات الخارج من الحبة (نخرج منه) من الخضر (حبا متراكبا) وهو السنبل و (قنوان) رفع بالابتداء، ومن النخل خبره، ومن طلعها بدل منه كأنه قيل:: وحاصلة من طلع النخل قنوان، ويجوز أن يكون الخبر محذوفا لدلالة أخرجنا عليه تقديره: ومخرجة من طلع النخل قنوان. ومن قرأ يخرج منه حب متراكب كان قنوان عنده معطوفا على حب، والقنوان جمع قنو ونظيره صنو وصنوان، وقرئ بضم القاف وبفتحها على أنه اسم جمع كركب لأن فعلان ليس من زيادة التكسير (دانية سهلة المجتنى معرضة للقاطف كالشئ الداني القريب التناول، ولأن النخلة وإن كانت صغيرة ينالها القاعد فإنها تأتي بالثمر لا تنتظر الطول. وقال الحسن: دانية قريب بعضها من بعض، وقيل ذكر القريبة وترك ذكر البعيدة لأن النعمة فيها أظهر، أو دل بذكر القريبة على ذكر البعيدة كقوله - سرابيل تقيكم الحر - وقوله (وجنات من أعناب) فيه وجهان: أحدهما أن يراد
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»