الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٣٠
يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون. وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون.
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين.
ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه
____________________
الشاهدة على صحتها العقول كراهة أن تقولوا (يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) لم ننبه عليه (أو) كراهة أن (تقولوا إنما شرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم) فاقتدينا بهم لأن نصب الأدلة على التوحيد وما نبهوا عليه قائم معهم، فلا عذر لهم في الإعراض عنه والإقبال على التقليد والاقتداء بالآباء، كما لا عذر لآبائهم في الشرك وأدلة التوحيد منصوبة لهم. فإن قلت: بنو آدم وذرياتهم من هم؟ قلت: عنى ببني آدم أسلاف اليهود الذين أشركوا بالله حيث قالوا عزير ابن الله، وبذرياتهم الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أخلافهم المقتدين بآبائهم، والدليل على أنها في المشركين وأولادهم قوله - أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل - والدليل على أنها في اليهود الآيات التي عطفت عليها هي والتي عطفت عليها وهي على نمطها وأسلوبها، وذلك قوله - واسألهم عن القرية - وإذ قالت أمة منهم لم تعظون - وإذ تأذن ربك - وإذ نتقنا الجبل فوقهم - واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا - (أفتهلكنا بما فعل المبطلون) أي كانوا السبب في شركنا لتأسيسهم الشرك وتقدمهم فيه وتركه سنة لنا (وكذلك) ومثل ذلك التفصيل البليغ (نفصل الآيات) لهم (ولعلهم يرجعون) وإرادة أن يرجعوا عن شركهم نفصلها. وقرئ ذريتهم على التوحيد وأن يقولوا بالياء (واتل عليهم) على اليهود (نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) هو عالم من علماء بني إسرائيل، وقيل من الكنعانيين اسمه بلعم بن باعوراء أوتي علم بعض كتب الله فانسلخ منها من الآيات بأن كفر بها ونبذها وراء ظهره (فأتبعه الشيطان) فلحقه الشيطان وأدركه وصار قرينا له، أو فأتبعه خطواته. وقرئ فاتبعه بمعنى فتبعه (فكان من الغاوين) فصار من الضالين الكافرين. روى أن قومه طلبوا إليه أن يدعو على موسى ومن معه، فأبى وقال: كيف أدعو على من معه الملائكة، فألحوا عليه ولم يزالوا به حتى فعل (ولو شئنا لرفعناه بها) لعظمناه ورفعناه إلى منازل الأبرار من العلماء بتلك الآيات (ولكنه أخلد إلى الأرض) مال إلى الدنيا ورغب فيها، وقيل مال إلى السفالة. فإن قلت: كيف علق رفعه بها، بمشيئة الله تعالى ولم يعلق بفعله الذي يستحق به الرفع؟ قلت: المعنى ولو لزم العمل بالآيات ولم ينسلخ منها لرفعناه بها، وذلك أن مشيئة الله تعالى رفعه تابعة للزومه الآيات، فذكرت المشيئة والمراد ما هي تابعة له ومسببة عنه كأنه قيل: ولو لزمها لرفعناه بها، ألا ترى إلى قوله: - ولكنه أخلد إلى الأرض - فاستدرك المشيئة بإخلاده الذي هو فعله فوجب أن يكون لو
(١٣٠)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»