الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٣٦
الجزع إذ لا تمتع بعد ذلك، ولم يربع: أي لم يتوقف وأصله لم يأخذ موضعا ربعا (قوله بم تعلق فلا تجعلوا) أي بأي معنى من المعاني السابقة يتعلق وعلى مضمون أيها يترتب ويتفرع (قوله أن يتعلق بالأمر) أي يكون نهيا متفرعا على مضمون ذلك الأمر كأنه قيل: إذا استحق ربكم الذي خلقكم العبادة منكم وكنتم مأمورين بها لا تشركوا به أحدا لتكون عبادتكم مبنية على ما هو أصل العبادة وأساسها أعني توحيده تعالى، وأن لا تجعلوا له ندا أصلا.
وقيل هو نهى معطوف على الأمر. ورد بأن الأولى حينئذ العطف بالواو كقوله تعالى - اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا - وقد يجعل نفيا منصوبا بإضمار أن على جواب الأمر كما في زرني فأكرمك، وليس بشئ لأن الشرط في ذلك كون الأول سببا للثاني، والعبادة لا تكون سببا للتوحيد الذي هو مبناها وأصلها (قوله انتصاب فأطلع) أي على تشبيه لعل بليت. ويرد عليه أن ذلك إنما يجوز إذا كان في الترجي شائبة من التمني لبعد المرجو من الوقوع، وقد مر أن لعل ههنا مستعارة للإرادة التي ترجح فيه وجود المراد بإعداد الأسباب وإزاحة الأعذار، فمن أين المشابهة.
ويجاب بأن النصب ههنا للنظر إلى أنهم في صورة المرجو منهم، فالمعنى: خلقكم في صورة من يرجى منه الاتقاء:
أي الخوف من العقاب ليتسبب من ذلك ألا تشركوا، فقوله (لكي تتقوا) بيان لحاصل المعنى وأخذ بزبدة ما سبق من استعارة لعل لا حكم بأنها معنى كي على ما مر وقوله (وتخافوا عقابه) عطف على تتقوا تفسير له، وقوله (فلا تشبهوه بخلقه) إشارة إلى معنى فلا تجعلوا لله أندادا وترتبه ما تعلق به، وفى هذا النصب تنبيه على تقصيرهم كأن المراد الراجح صار مستبعدا عنهم كالمتمنى ونظيره في اعتبار الصورة ورعاية التنبيه قولك لمن همك همه ليتك تحدثني فتفرج عنى بالنصب، فإنه ليس بمتمنى حقيقة لكن أجرى عليه حكمه ونبه به على تقصيره في التحديث (قوله أو بالذي جعل لكم إذا رفعته على الابتداء) أي جعلته مرفوعا مدحا على أنه خبر لمبتدأ محذوف كما سبق ذكره، فيكون نهيا مترتبا على ما تتضمنه هذه الجملة: أي هو الذي خصكم بدلائل التوحيد فلا تشركوا به. وأما إذا نصبته على الاختصاص فلا يتأتى ترتيبه عليه إذ لا معنى لقولك أعني الذي جعل لكم كذا وكذا فلا تشركوا وكذا الحال إذا جعل وصفا بل هو أظهر ومن حكم بأنه لا يريد الرفع على المدح لأنه يساوى النصب في كونه من تتمة اعبدوا فيكون الترتيب والاستعقاب منه لا من تتمته بل أراد وجها آخر فقد خالف ظاهر كلامه والقول بأن مراده إن الذي جعل مبتدأ خبره فلا تجعلوا بتقدير القول والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط مما يأباه صريح كلامه مع كونه في نفسه ضعيفا جدا و (المناوي) من ناوأت الرجل منأواة ونواء إذا
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»