الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٠٩
بالكلمة المجراة على ألسنتهم، ولا يناسب ما تأخر من أن المشبه بانطفاء النار هو انقطاع الانتفاع، بل يناسب أن يقال شبه انقطاع الإظهار بالانطفاء. وأجيب عن الأول بأن المرد ههنا الإضاءة المتعدية، وثمة الإضاءة اللازمة وعنهما معا فإنه أراد بإظهار الإيمان أثره: أعني الانتفاع به، فمعنى كلامه أنه شبه المنافق: أي نفاقه وإظهار الإيمان بالمستوقد: أي باستيقاده، وشبه أثر الأول: أي الانتفاع بأثر الثاني: أي الإضاءة، وشبه انقطاع الانتفاع بانقطاع الإضاءة، ويؤيد هذا الجواب أن تشبيه ذات المنافقين بذات المستوقد ليس مقصودا في الآية قطعا والحمل على مجرد التوطئة بعيد جدا، وحينئذ تقول للمستوقد استيقاد واستضاءة وخمود نار وللمنافق إظهار الإيمان والانتفاع به، وانقطاعه إما بالموت أو بالفضوح كما مر أو بالطبع إذا حمل الانتفاع على التأثر من الكلمة، فيكون هذا التفريق والتشبيه شاملا للوجوه الثلاثة المذكورة قبل التفسير الاخر الذي بين تفريقه هناك (قوله لأن القلوب تحيا به) وأيضا هو مع كونه سبب النجاة موجب لهلاك هؤلاء الذين لا بسوه خداعا، كما أن الصيب مع كونه رحمة سبب لهلاك طائفة مخصوصين (قوله وما يتعلق به) ذكر جماعة من الثقات أن الرواية بصيغة المبنى للمفعول، فالضمير المجرور للموصول: أي وشبه ما يتمسك به من شبه الكفار لدفع الإسلام بالظلمات فإنها سبب الحيرة مثلها، وأيدها بعضهم بالدراية لان التصريح بتعلق الشبه بدين الإسلام يشعر بأنه في نفسه مما ينبغي أن تتطرق إليه الشبهات، وهذا وإن لم يقدح في حقيقته لكنه يدل على نقصان في ظهوره، أوزعم بعض الناس أنه يفوت حينئذ بيان تعلق الشبهات بالدين على ما يعطيه الظرف في قوله فيه ظلمات، وأن هذه الرواية تغيير وتحريف للرواية الأخرى الصحيحة قال فلا رواية ولا دراية. والجواب أن الشبه إذا تمسك بها دفعا للإسلام كان تعلقها به من هذه الجهة ظاهرا فلا حاجة إلى التصريح به، وإن تلك الرواية قد صححها من هو أعلى كعبا منه (قوله وما فيه) أي في دين الإسلام: يعنى أن كل واحد من الوعد والوعيد شبه بكل من الرعدو البرق لاشتمال كل واحد منهما على خوف وطمع، فمن حيث تضمنهما للطمع شبه بهما الوعد، ومن حيث تضمنهما للخوف شبه بهما الوعيد، وليس الكلام على اللف كما ظن ولذلك قال في السؤال وبالرعد والبرق بدون الباء (قوله والمعنى أو كمثل ذوي صيب) صرح بلفظ المثل تنبيها على أن ذكره لا ينافي التفريق في التشبيه، لأن كل واحد من الأمور المذكورة في جانب المشبه به حال من أحواله فيصدق عليه المثل، وقس على ذلك الأحوال المطوية في المشبه. وما يقال من أن لفظ المثل في جانب المشبه دال على المشبهات إجمالا ولا تكون مطوية كما ذكره مردود بأن التشبيه المفرق هنا إنما هو بين خصوصيات أحوال المنافقين المعلومة فيما سبق وبين خصوصيات أحوال المستوقد وأصحاب الصيب المفهومة من العبارات المذكورة في جانب المشبه به فتقدير الكلام: مثلهم فيما علم سابقا من أحوالهم المخصوصة كمثل المستوقد أعني أحواله المخصوصة المذكورة معه أو كمثل ذوي الصيب، فالأشياء المشبه بها مذكورة بخصوصياتها دون الأحوال المشبهة فإنها مطوية قطعا اعتمادا على ما سبق. فإن قيل: أين للمنافقين دين تحيا به القلوب حتى يشبه بالصيب. أجيب: بأنهم متلبسون
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»