التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٤٢٥
قول إبراهيم. وقرأ الباقون " أفتمارونه " بمعنى أفتجادلونه في أنه رأى ربه بقلبه أو آيات الله ومعجزاته. وقرأ ابن عامر - في رواية هشام - وأبي جعفر " ما كذب " مشددة الدال الباقون بالتخفيف. وقرأ ابن كثير والأعشى إلا ابن غالب " ومناة " مهموزة ممدودة. الباقون " ومناة " مقصورة، وهما لغتان.
يقول الله تعالى إنه لم يكذب فواد محمد ما رآه بعينه يعني لم يكذب محمد بذلك بل صدق به والفؤاد القلب. وقال ابن عباس: يعني ما رأى بقلبه. وقال الحسن: إنه رأى ربه بقلبه. وهذا يرجع إلى معنى العلم. ومعنى " ما كذب الفؤاد " أي ما توهم أنه يرى شيئا وهو لا يراه من جهة تخيله لمعناه، كالرائي للسراب بتوهمه ماء ويرى الماء من بعيد فيتوهمه سرابا. ومن شدد أراد لم يكذب فؤاد محمد ما رأت عيناه من الآيات الباهرات فعداه. ومن خفف فلان في العرب من يعدي هذه اللفظة مخففة، فيقولون صدقني زيد وكذبني خفيفا، وصدقني وكذبني ثقيلا وانشد:
وكذبتني وصدقتني * والمرؤ ينفعه كذابه (1) والفرق بين الرؤية في اليقظة وبين الرؤية في المنام أن رؤية الشئ في اليقظة إدراكه بالبصر على الحقيقة، ورؤيته في المنام لصورة في القلب على توهم الادراك بحاسة البصر من غير أن يكون كذلك.
وقوله " أفتمارونه " فمن قرأ " أفتمرونه " أراد أفتجحدونه. ومن قرأ " أفتمارونه " أراد أفتجادلونه وتخاصمونه مأخوذ من المراء وهو المجادلة (على ما يرى) يعني على الشئ الذي يراه.

(1) مر في 8 / 390.
(٤٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 ... » »»
الفهرست