التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣٢١
الحال، كقوله " مسني الضر " (1) ويقال: ضرني الشئ وأضرني، ولا يقال:
أضربي، وضره يضره وضاره يضيره بمعنى واحد.
هذا اخبار عن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله انه " سيقول لك " يا محمد " المخلفون من الاعراب " قال ابن إسحاق ومجاهد: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله الخروج إلى مكة عام الحديبية أحرم بعمرة ودعا الاعراب الذين حول المدينة إلى الخروج، فتثاقلوا: أسلم وغفار وجهينة ومزينة، فأخبر الله تعالى بذلك. والمخلف هو المتروك في المكان خلف الخارجين عن البلد، وهو مشتق من المتخلف وضده المتقدم. تقول خلفته كما تقول قدمته تقديما، وإنما تخلفوا لتثاقلهم عن الجهاد وإن اعتذروا بشغل الأموال والأولاد. والاعراب الجماعة من عرب البادية، وعرب الحاضرة ليسوا بأعراب، ففرقوا بينهما، وإن كان اللسان واحد.
وقوله " شغلتنا أموالنا وأهلونا " أخبار بما اعتلوا به، فالشغل قطع العمل عن عمل، لا يمكن الجمع بينهما لتنافي أسبابهما كالكتابة والرمي عن القوس والله لا يشغله شأن عن شأن لأنه لا يعمل بآلة. وقوله " فاستغفر لنا " حكاية ما قالوه للنبي وسألوه أن يستغفر لهم والاستغفار طلب المغفرة بالدعاء مع التوبة عن المعاصي فهؤلاء سألوا الدعاء بالمغفرة، وفي قلوبهم خلاف ما أظهروه بأفواههم ففضحهم الله وهتك أستارهم، وأبدى ما نافقوا به في جهادهم، فقال " يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ".
ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله " قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا " لا يقدر أحد على دفعه " أو أراد بكم نفعا " لا يقدر أحد على إزالته " بل كان

(1) سورة 21 الأنبياء آية 83.
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»
الفهرست