التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ١٦٨
باقية دائمة، وهذه فانية منقطعة. ثم بين انها حاصلة (للذين آمنوا) بتوحيد الله وتصديق رسله (وعلى ربهم يتوكلون) أي يفوضون أمرهم إليه تعالى دون غيره فالتوكل على الله تفويض الامر إليه باعتقاد أنها جارية من قبله على أحسن التدبير مع الفزع إليه بالدعاء في كلما ينوب. والتوكل واجب، الترغيب فيه كالترغيب في جملة الايمان.
وقوله (والذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش) يحتمل أن يكون (الذين) في موضع جر بالعطف على قوله (للذين) فكأنه قال وما عند الله خير وأبقى المؤمنين المتوكلين على ربهم المجتنبين كبائر الاثم والذنوب. والفواحش جمع فاحشة، وهي أقبح القبيح. ويحتمل أن يكون في موضع رفع بالابتداء، ويكون الخبر محذوفا، وتقديره الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش (وإذا ما غضبوا) مما يفعل بهم من الظلم والإساءة (هم يغفرون) ويتجاوزون عنه ولا يكافونهم عليه لهم مثل ذلك.
والعفو المراد في الآية هو ما يتعلق بالإساءة إلى نفوسهم الذي لهم الاختصاص بها فمتى عفوا عنها كانوا ممدوحين. فأما ما يتعلق بحدود الله ووجوب حدوده فليس للامام تركها ولا العفو عنها، ولا يجوز له ان يعفو عن المرتد وعمن يجرى مجراه. ثم زاد في صفاتهم فقال (والذين استجابوا لربهم) في ما دعاهم إليه (وأقاموا الصلاة) على حقها (وأمرهم شورى بينهم) أي لا ينفردون بأمر حتى يشاوروا غيرهم، لأنه قيل: ما تشاور قوم إلا وفقوا لأحسن ما يحضرهم (ومما رزقناهم ينفقون) في طاعة الله وسبيل الخير.
ثم قال (والذين إذا أصابهم البغي) من غيرهم وظلم من جهتهم (هم ينتصرون) يعني ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا فيها فيقتلوا غير القاتل ويجنوا على غير الجاني، وفي قوله (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) ترغيب في انكار
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»
الفهرست