التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ١٤٣
أحدهما - كالوحي الذي تقدم يوحي إليك.
والثاني - هذا الوحي الذي يأتي في هذه السورة يوحى إليك، لان ما لم يكن حاضرا يراه صلح فيه (هذا) لقرب وقته و (ذلك) لبعده في نفسه. ومعنى التشبيه في (كذلك) أن بعضه كبعض في أنه حكمة وصواب بما تضمنه من الحجج والمواعظ والفوائد التي يعمل عليها في الدنى (وإلى الذين من قبلك) معناه مثل ذلك أوحى إلى الذين من قبلك من الأنبياء وتعبدهم بشريعة كما تعبدك بمثل ذلك.
وقوله (العزيز الحكيم) معناه القادر الذي لا يغالب الحكيم في جميع أفعاله.
ومن كان بهاتين الصفتين خلصت له الحكمة في كل ما يأتي به، لأنه العزيز الذي لا يغالب والغني الذي لا يحتاج إلى شئ، ولا يجوز أن يمنعه مانع مما يريده، وهو الحكيم العليم بالأمور لا يخفى عليه شئ منها لا يجوز أن يأتي إلا بالحكمة. فاما الحكيم غيره يحتاج فلا يوثق بكل ما يأتي به إلا أن يدل على ذلك الحكمة دليل.
قوله (له ما في السماوات والأرض) معناه أنه مالكهما ومدبرهما وله التصرف فيهما ولا أحد له منعه من ذلك ويكون (العلي) مع ذلك بمعنى المستعلي على كل قادر العظيم في صفاته التي لا يشاركه فيها أحد.
وقوله (تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن " قيل في معناه قولان:
أحدهما - قال ابن عباس وقتادة والضحاك: يتفطرن من فوقهن من عظمة الله وجلاله.
والثاني - ان السماوات تكاد تتفطرن من فوقهن استعظاما للكفر بالله والعصيان له مع حقوقه الواجبة على خلقه، وذلك على وجه التمثيل ليس لان السماوات تفعل شيئا أو تنكر شيئا، وإنما المراد ان السماوات لو انشقت لمعصيته استعظاما لها أو لشئ من الأشياء لتفطرت استعظاما لكفر من كفر بالله وعبد
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»
الفهرست