التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ١٩١
اقسم الله تعالى بأنه يعلم الذين يؤمنون بالله على الحقيقة ظاهرا وباطنا فيجازيهم على ذلك بثواب الجنة، وذلك ترغيب لهم " وليعلمن المنافقين " فيه تهديد للمنافقين مما هو معلوم من حالهم التي يستترون بها ويتوهمون انهم نجوا من ضررها، باخفائها، وهي ظاهرة عند من يملك الجزاء عليها، وتلك الفضيحة العظمى بها.
ثم حكى تعالى أن الذين كفروا نعم الله وجحدوها يقولون للذين آمنوا بتوحيده وصدق أنبيائه " اتبعوا سبيلنا ولنحمل " نحن " خطاياكم " أي نحمل ما تستحقون عليها من العقاب يوم القيامة عنكم هزؤا بهم واشعارا بأن هذا لا حقيقة له، فالمأمور بهذا الكلام هو المتكلم به أمر نفسه في مخرج اللفظ ومعناه يضمن إلزام النفس هذا المعنى، كما يلزم بالامر، قال الشاعر:
فقلت ادعي وادع فان أندى * لصوت أن ينادي داعيان (1) معناه ولادع. وفيه معنى الجزاء وتقديره ان تتبعوا ديننا حملنا خطاياكم.
ثم نفى تعالى أن يكونوا هم الحاملين لخطاياهم من شئ، وانهم يكذبون في هذا القول، لان الله تعالى لا يؤاخذ أحدا بذنب غيره، فلا يصح إذا أن يتحمل أحد ذنب غيره، كما قال تعالى " ولا تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للانسان إلا ما سعى " (2) وليس ذلك بمنزلة تحمل الدية عن غيره، ولان الفرض في الدية أداء المال عن نفس المقتول، فلا فضل بين ان يؤديه زيد عن نفسه، وبين ان يؤديه عمرو عنه، لأنه بمنزلة قضاء الدين.

(١) شرح ألفية بن مالك ٢٦٧ وتفسير القرطبي ١٣ / 334 (2) سورة 6 الانعام آية 164 وسورة 17 الاسرى آية 15 وسورة 35 فاطر آية 18 وسورة 39 الزمر آية 7 وسورة 53 النجم آية 39
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست