التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ١٣١
لما اخبر الله تعالى أنه يريد ان يمن على الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة، أخبر في هذه الآية أنه يريد أن يمكنهم في الأرض، والتمكين هو فعل جميع مالا يصح الفعل ولا يحصل إلا معه: من القدرة والآلة واللطف وغير ذلك.
وقال الرماني: اللطف لا يدخل في التمكين، لأنه لو دخل فيه لكان من لا لطف له لم يكن ممكنا، ولكن يقال: انه من باب إزاحة العلة. ثم بين انه تعالى " يري فرعون وهامان وجنودهما منهم " يعني من بني إسرائيل " ما كانوا يحذرون " من زوال ملكهم على يد رجل من بني إسرائيل، ولذلك ذبح فرعون أبناءهم.
ومن قال: ان الآية في شأن المهدي (ع) حمل فرعون وهامان على فرعون هذه الأمة وهامانها، والكناية في " منهم " عائدة على أنصار المهدي (ع) قالوا: وهذه أولى، لأنه بلفظ الاستقبال، لان في أوله النون أو الياء على اختلاف القراءتين وهما للمضارعة.
والحذر توقي ما فيه المضرة، فهؤلاء الذين طلبوا الحذر في غير وجهه، إذ قتلوا الأطفال ظلما لأجله، ولو طلبوه بالرجوع إلى الله، ودعائه ليكشف عنهم لكانوا طالبين له من وجهه.
وقوله " وأوحينا إلى أم موسى " أي ألهمناها، وقذفنا في قلبها، وليس بوحي نوم، ولا نبوة - في قول قتادة وغيره - وقال الجبائي: كان الوحي رؤيا منام عبر منه مؤمن به من علماء بني إسرائيل. وقوله " أن ارضعيه " أي ألهمناها إرضاع موسى " فإذا خفت عليه فألقيه في اليم " فالخوف توقع ضرر لا يؤمن به.
وقال الزجاج: معنى " أوحينا إلى أم موسى " أعلمناها، وقوله " فالقيه في اليم " أمر من الله تعالى لام موسى انها إذا خافت على موسى من فرعون أن ترضعه وتطرحه في اليم. واليم البحر، ويعني به النيل " ولا تخافي ولا تحزني " نهي من الله تعالى
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»
الفهرست