التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٤٨٨
والثاني - كما جعلنا النبي يعادي المجرم مدحا له وتعظيما، كذلك جعلنا المجرم يعادي النبي ذما له وتحقيرا. والمعنى إن الله تعالى حكم بأنه على هذه الصفة. وقيل " جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين " ببياننا أنهم أعداؤهم، كما يقال جعله لصا أو خائنا. وقيل: معناه أمرنا بأن يسموهم أعداء. والجعل وجود ما به يصير الشئ على ما لم يكن، ومثله التصيير، والعدو المتباعد من النصرة للبغضة، ونقيضه الولي، واصله البعد. ومنه عدوتا الوادي أي جانباه، لأنهما بعداه ونهايتاه، وعدا عليه يعدو عدوا إذا باعد خطوة للايقاع به، وتعدى في فعله إذا أبعد في الخروج عن الحق. ثم قال تعالى " وكفى بربك " يا محمد " هاديا ونصيرا " اي حسبك الله الهادي إلى الحق، والناصر على العدو، و (هاديا) منصوب على الحال أو التمييز، فالحال كفى به في حال الهداية والنصرة، والتمييز من الهادين والناصرين - ذكره الزجاج - ولا يقدر أحد أن يهدي كهداية الله، ولا أن ينصر كنصرته، فلذلك قال " وكفى بربك هاديا ونصيرا " ثم حكى أن الكفار، قالوا " لولا " اي هلا " نزل عليه القرآن " على النبي " جملة واحدة " فقيل لهم إن التوراة أنزلت جملة، لأنها أنزلت مكتوبة على نبي يكتب ويقرأ وهو موسى، واما القرآن، فإنما انزل متفرقا، لأنه أنزل غير مكتوب على نبي أمي، وهو محمد صلى الله عليه وآله وقيل: إنما لم ينزل جملة واحدة، لان فيه الناسخ والمنسوخ، وفيه ما هو جواب لمن سأل عن أمور، وفيه ما هو إنكار لما كان. وفي الجملة المصلحة معتبرة في إنزال القرآن، فإذا كانت المصلحة تقتضي انزاله متفرقا كيف ينزل جملة واحدة!؟ فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله إنا أنزلناه متفرقا (لنثبت به فؤادك) وقال أبو عبيدة: معناه لنطيب به نفسك ونشجعك.
وقوله (ورتلناه ترتيلا) فالترتيل التبين في تثبت وترسل. وقوله (ولا يأتونك بمثل الا جئناك بالحق) أي لم ننزل القرآن جملة واحدة لأنهم لا يأتونك بشئ
(٤٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 483 484 485 486 487 488 489 490 491 492 493 ... » »»
الفهرست