التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٣٥٧
غافلين " بل كنا حافظين للسماء من أن تسقط عليهم، فتهلكهم. والغفلة ذهاب المعنى عن النفس. ومثله السهو، فالعالم لنفسه لا يجوز عليه الغفلة، لأنه لا شئ إلا وهو عالم به. وإنما ذكر الغفلة بعد الطرائق، لان من جاز عليه الغفلة عن العباد جاز عليه الغفلة عن الطرائق التي فوقهم، فتسقط عليهم، فأمسك الله تعالى طرائق السماوات أن تقع على الأرض إلا باذنه. ولولا إمساكه لها لم تقف طرفة عين.
وقوله " وأنزلنا من السماء ماء بقدر " أي أنزلنا المطر والغيث بقدر الحاجة، لا يزيد على قدر الحاجة، فيفسد، ولا ينقص عنها فيهلك، بل وفق الحاجة.
وقوله " فأسكناه في الأرض " يعني انه تعالى أسكن الماء المنزل من السماء في الأرض وأثبته في العيون والأودية. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (أربعة أنهار من الجنة: النيل، والفرات، وسيحان، وجيحان).
ثم قال تعالى " وإنا على ذهاب به لقادرون " لا يعجزنا عن ذلك شئ، ولو فعلناه لهلك جميع الحيوان، فنبههم بذلك على عظم نعمة الله على خلقه، بانزال الماء من السماء.
ثم اخبر تعالى انه ينشئ للخلق بذلك الماء (جنات) وهي البساتين (من نخيل وأعناب) لتنتفعوا بها معاشر الخلق (لكم فيها فواكه كثيرة) تفكهون بها (ومنها تأكلون) وإنما خص النخيل والأعناب، لأنها ثمار الحجاز، من المدنية والطائف. فذكرهم الله تعالى بالنعم التي يعرفونها.
وقوله (وشجرة تخرج من طور سيناء) إنما خص الشجرة التي تخرج من طور سيناء، لما في ذلك من العبرة، بأنه لا يتعاهدها إنسان بالسقي، ولا يراعيها أحد من العباد، تخرج الثمرة التي يكون فيها الدهن الذي تعظم الفائدة وتكثر المنفعة به.
وسيناء البركة، كأنه قال جبل البركة - وهو قول ابن عباس ومجاهد - وقال قتادة
(٣٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 352 353 354 355 356 357 358 359 360 361 362 ... » »»
الفهرست