التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٢٧٣
يقول الله تعالى إنا أدخلنا هؤلاء الذين ذكرناهم من الأنبياء " في رحمتنا " أي في نعمتنا، ومعنى (أدخلناهم في رحمتنا) غمرناهم بالرحمة. ولو قال رحمناهم لما أفاد الاغمار، بل أفاد انه فعل بهم الرحمة، التي هي النعمة.
وقوله (انهم من الصالحين) معناه إنما أدخلناهم في رحمتنا، لأنهم كانوا ممن صلحت أعمالهم، وفعلوا الطاعات، وتجنبوا المعاصي. و (صالح) صفة مدح في الشرع.
ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وآله واذكر (ذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه) والنون الحوت، وصاحبها يونس بن متى، غضب على قومه - في قول ابن عباس والضحاك - فذهب مغاضبا لهم، فظن أن الله لا يضيق عليه، لأنه كان ندبه إلى الصبر عليهم والمقام فيهم من قوله " ومن قدر عليه رزقه " (1) أي ضيق، وقوله " الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر " (2) أي يضيق، وهو قول ابن عباس ومجاهد والضحاك، وأكثر المفسرين. وقال الزجاج والفراء: معناه " ظن أن لن نقدر عليه " ما قدرناه. وقال الجبائي: ضيق الله عليه الطريق حتى ألجأه إلى ركوب البحر حتى قذف فيه، وابتلعته السمكة. ومن قال: ان يونس (ع) ظن أن الله لا يقدر عليه من القدرة، فقد كفر. وقيل إنما عوتب على ذلك، لأنه خرج مغاضبا لهم قبل أن يؤذن له، فقال قوم: كانت خطيئة، من جهة تأويله أنه يجوز له ذلك. وقد قلنا:
انه كان مندوبا إلى المقام فلم يكن ذلك محظورا، وإنما كان ترك الأولى. فأما ما روي عن الشعبي وسعيد بن جبير من أنه خرج مغاضبا لربه فلا يجوز ذلك على نبي من الأنبياء، وكذلك لا يجوز أن يغضب لم عفى الله عنهم إذ آمنوا، لان هذا اعتراض

(1) سورة 65 الطلاق آية 7 (2) سورة 13 الرعد آية 28.
(٢٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 ... » »»
الفهرست