التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ١٤٣
واختلفوا في كيفية ورودهم إليها، فقال قوم - وهو الصحيح -: إن ورودهم هو وصولهم إليها واشرافهم عليها من غير دخول منهم فيها، لان الورود في اللغة هو الوصول إلى المكان. واصله ورود الماء، وهو خلاف الصدور عنه. ويقال: ورد الخبر بكذا، تشبيها بذلك. ويدل على أن الورود هو الوصول إلى الشئ من غير دخول فيه قوله تعالى " ولما ورد ماء مدين " وأراد وصل إليه. وقال زهير:
فلما وردن الماء زرقا جمامه * وضعن عصي الحاضر المتخيم (1) وقال قتادة وعبد الله بن مسعود: ورودهم إليها، هو ممرهم عليها. وقال عكرمة يردها الكافر دون المؤمن، فخص الآية بالكافرين. وقال قوم شذاذ: ورودهم إليها: دخولهم فيها ولو تحلة القسم. روي ذلك عن ابن عباس وكان من دعائه: اللهم أزحني من النار سالما وادخلني الجنة غانما. وهذا الوجه بعيد، لان الله قال " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون " (2) فبين تعالى أن من سبقت له الحسنى من الله يكون بعيدا من النار، فيكف يكون مبعدا منها مع أنه يدخلها. وذلك متناقض، فإذا المعني بورودهم أشرافهم عليها، ووصولهم إليها.
وقوله " كان على ربك حتما مقضيا " معناه إن ورودهم إلى جهنم على ما فسرناه حتم من الله وقضاء قضاه لابد من كونه. والحتم القطع بالامر، وذلك حتم من الله قاطع. والحتم والجزم والقطع بالامر معناه واحد. والمقضي الذي قضى بأنه يكون.
ثم قال تعالى " ثم نبخي الذين اتقوا " معاصي الله وفعلوا طاعاته من دخول النار " ونذر الظالمين " أي ندعهم فيها ونقرهم على حالهم " جثيا " باركين على ركبهم " في جهنم ". ثم قال " وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات " اي إذا قرئت على المشركين

(1) هو زهير ابن أبي سلمى. ديوانه (دار بيروت): 78 (2) سورة 21 الأنبياء آية 101
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»
الفهرست