فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٥ - الصفحة ٤
6244 - (كفى بالمرء من الكذب) كذا هو في خط المؤلف وفي رواية العسكري: كفى بالمرء من الكذب كذبا (أن يحدث بكل ما سمع) أي لو لم يكن للرجل كذب إلا تحدثه بكل ما سمع من غير مبالاة أنه صادق أو كاذب لكفاه من جهة الكذب لأن جميع ما سمعه لا يكون صدقا وفيه زجر عن الحديث بشئ لا يعلم صدقه (وكفى بالمرء من الشح أن يقول) لمن له عليه دين (آخذ حقي) منه كله بحيث (لا أترك منه شيئا) ولو قليلا فإن ذلك شح عظيم، ومن ثم عد الفقهاء مما ترد به الشهادة المضايقة في التافه، وهذا عد من الحكم والأمثال. (ك) في البيع عن الأصم عن هلال بن العلاء بن هلال بن عمر الرقي عن ابن عمر بن هلال قال: حدثني أبو غالب (عن أبي أمامة) قال الحاكم:
صحيح فرده الذهبي أن هلال بن عمرو وأبوه لا يعرفان، فالصحة من أين؟
6245 - (كفى بالموت واعظا) كيف واليوم في الدور وغدا في القبور، وفي معناه بيت الحماسة:
أبعد بني أمي الذين تتابعوا * أرجى حياة أم من الموت أجزع كيف وهو المصيبة العظمى والرزية الكبرى وأعظم منه الغفلة عنه والإعراض عن ذكره وقلة التفكير فيه وترك العمل له وأن فيه وحده لعبرة لمن اعتبر وفكرة لمن افتكر. قيل: أن أعرابيا كان يسير على جمل فخر الجمل ميتا فنزل عنه وجعل يطوف به ويتفكر فيه ويقول: مالك لا تقوم، مالك لا تقوم، مالك لا تقوم، مالك لا تنبعث هذه أعضاءك كاملة وجوارحك سالمة، ما شأنك، ما الذي كان يبعثك، ما الذي صرعك، ما الذي عن الحركة منعك، ثم تركه وانصرف متفكرا في شأنه متعجبا في أمره وأنشأ يقول:
جاءته من قبل المنون إشارة * فهوى صريعا لليدين وللفم قال الحسن: قد أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم فالتمسوا عيشا لا موت معه وقيل: ذهب ذكر الموت بلذة كل عيش وسرور كل نعيم وقال الغزالي: الموت هو القيامة الصغرى ومن مات فقد قامت قيامته وفي هذه القيامة يكون العبد وحده وعندها يقال له * (لقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) * وفيها يقال له * (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) * والقيامة الصغرى بالنسبة للكبرى كالولاية الصغرى بالنسبة للكبرى فإن للإنسان ولادتين أحدهما الخروج من الصلب والترائب إلى مستودع الأرحام وهو في الرحم في قرار مكين إلى قدر معلوم وله في سلوكه إلى الكمال منازل وأطوارا من نطفة وعلقة ومضغة وغيرها حتى يخرج من مضيق الرحم إلى فضاء العالم فنسبة عموم القيامة الكبرى إلى الصغرى نسبة فضاء العالم إلى مضيق الرحم ونسبة فضاء العالم الذي يقدم عليه بالموت إلى سعة فضاء الدنيا كنسبة فضاء الدنيا إلى الرحم بل أوسع فقس الآخرة بالأولى فالمقر بالقيامتين مؤمن بعالم الغيب والشهادة والمقر بالصغرى لا الكبرى ناظر بالعين العوراء
(٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست