إحدى العلتين دون الأخرى وذلك جائز وقولهم إنما أمرهم بالفسخ لمخالفة الجاهلية قلنا لو كان كذلك لم يفرق بين من ساق الهدي ومن لم يسقه ثم إنه اعتمر في أشهر الحج ففي الصحيحين عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلها في ذي القعدة إلا التي مع حجته ففعله هذا يكفي في البيان لأصحابه والمشركين أن العمرة تجوز في أشهر الحج فلم يحتج أن يأمر أصحابه بفسخ الحج المحترم كذلك وإنما فعل ذلك لأنه الأفضل وأما حديث بن عباس فإنه لم يرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل لأجل ما كان المشركون يعتمدونه وإنما ذكر حال الجاهلية وأما حديث الحارث بن بلال فقال أحمد هو حديث لا يثبت ولا أقول به والحارث بن بلال لا يعرف ولو عرف فأين يقع من أحد عشر رجلا من الصحابة يرون الفسخ ولا يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة وأبو موسى الأشعري يفتي به في خلافة أبي بكر وشطر من خلافة عمر وأما حديث أبي ذر فموقوف عليه وقد خالفه أبو موسى وابن عباس وغيرهما ثم إنه ظن من أبي ذر يدل عليه حديث بن عباس أن العمرة قد دخلت في الحج وفي حديث جابر أن سراقة قال ألعامنا أم للأبد فقال بل للأبد يريد أن حكم الفسخ باق على الأبد وقد قيل إن وجوب الفسخ كان خاصا بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأما غيرهم فلا يجب عليه بل يجوز له انتهى كلامه قال صاحب التنقيح رحمه الله وما جمع به المؤلف بين الأحاديث بأن النبي عليه السلام قد اعتمر وتحلل من العمرة ثم أحرم بالحج وساق الهدي فضعيف جدا وكذلك قول من قال إنه أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة فكذلك قول من قال إنه أفرد ثم لما فرغ منه اعتمر ضعيف أيضا لان أحدا لم يعتمر معه بعد الحج إلا عائشة رضي الله عنها وكذلك قول من قال إنه أحرم بالعمرة أولا وساق الهدي ثم أدخل عليها الحج ولم يتحلل لأجل الهدي ضعيف أيضا وإن كان أقرب من غيره وكذلك قول من قال إنه كان قارنا وطاف طوافين وسعى سعيين وقد ذكرنا ضعف هذه الأقوال في غير هذا الموضع والصواب أنه عليه السلام كان قارنا أحرم بالحج والعمرة جميعا وطاف لهما طوافا واحدا وسعى سعيا واحدا وقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطاب سمعت النبي عليه السلام وهو بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة وهذا الآتي أتاه قبل أن يصل إلى الموضع الذي أحرم منه وهو
(٢٠٣)