شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٥٩
ما ندري، فقال عثمان: ادعوا لي عليا، فلما جاء قال عثمان لأبي ذر: أقصص عليه حديثك في بنى أبى العاص، فأعاده، فقال عثمان لعلى عليه السلام: أسمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه! قال: لا، وقد صدق أبو ذر. فقال كيف عرفت صدقه؟ قال: لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه يقول: " ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ".
فقال من حضر: أما هذا فسمعناه كلنا من رسول الله فقال أبو ذر: أحدثكم أنى سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فتتهمونني!
ما كنت أظن أنى أعيش حتى أسمع هذا من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم!
وروى الواقدي في خبر آخر بإسناده عن صهبان مولى، الأسلميين، قال: رأيت أبا ذر يوم دخل به على عثمان، فقال له: أنت الذي فعلت وفعلت! فقال أبو ذر:
نصحتك فاستغششتني، ونصحت صاحبك فاستغشني! قال عثمان: كذبت، ولكنك تريد الفتنة وتحبها، قد أنغلت (1) الشام علينا، فقال له أبو ذر: اتبع سنة صاحبيك لا يكن لأحد عليك كلام. فقال عثمان: مالك وذلك لا أم لك! قال أبو ذر: والله ما وجدت لي عذرا إلا الامر بالمعروف والنهى عن المنكر. فغضب عثمان، وقال: أشيروا على في هذا الشيخ الكذاب، أما أن أضربه، أو أحبسه، أو أقتله. فإنه قد فرق جماعة المسلمين، أو أنفيه من أرض الاسلام. فتكلم علي عليه السلام - وكان حاضرا - فقال: أشير عليك بما قال مؤمن آل فرعون: (فإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب (2))، فأجابه عثمان بجواب غليظ، وأجابه علي عليه السلام بمثله، ولم نذكر الجوابين تذمما منهما.
قال الواقدي: ثم إن عثمان حظر على الناس أن يقاعدوا أبا ذر، أو ويكلموه. فمكث

(١) النغل: الافساد بين القوم.
(٢) سورة غافر ٢٨
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303