شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٨ - الصفحة ٢٢
الله! كنت وضيعا فرفعني الله، ومملوكا فأعتقني الله، وضعيفا فقواني الله، وفقيرا فأغناني الله! قال عمرو: فما ترى في قتل عثمان، قال: فتح لكم باب كل سوء، قال عمرو: فعلى قتله؟ قال عمار: بل الله رب على قتله وعلى معه، قال عمرو: فكنت (1) فيمن قتله؟ قال:
كنت مع من قتله، وأنا اليوم أقاتل معهم، قال عمرو: فلم قتلتموه؟ قال عمار: إنه أراد أن يغير ديننا فقتلناه، فقال عمرو: ألا تسمعون؟ قد اعترف بقتل إمامكم! فقال عمار، قد قالها فرعون قبلك لقومه: " ألا تستمعون " (2). فقام أهل الشام ولهم زجل فركبوا خيولهم، ورجعوا، وقام عمار وأصحابه فركبوا خيولهم ورجعوا، وبلغ معاوية ما كان بينهم، فقال:
هلكت العرب إن حركتهم - خفة العبد الأسود - يعنى عمارا (3).
قال نصر: فحدثنا عمرو بن شمر، قال: فخرجت (4) الخيول إلى القتال واصطفت بعضها لبعض، وتزاحف الناس وعلى عمار درع بيضاء، وهو يقول: أيها الناس، الرواح إلى الجنة.
فقاتل القوم قتالا شديدا لم يسمع السامعون بمثله، وكثرت القتلى حتى أن كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله. وحكى الأشعث بعد ذلك، قال لقد رأيت أخبية صفين وأروقتها، وما فيها خباء ولا رواق ولا فسطاط إلا مربوطا بيد إنسان أو برجله.
قال نصر: وجعل أبو السماك الأسدي يأخذ إداوة من ماء وشفرة حديدة، فيطوف في القتلى، فإذا رأى رجلا جريحا وبه رمق أقعده فيقول له: من أمير المؤمنين؟ فإذا قال:

(1) صفين: " أكنت ".
(2) من الآية 25 في سورة الشعراء (3) صفين 377 - 384.
(4) صفين: " وخرج للقتال " أي عمار.
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 124 - من كلام له عليه السلام في حث أصحابه على القتال 3
2 عود إلى أخبار صفين 9
3 125 - من كلام له عليه السلام في الخوارج لما أنكروا تحكيم الرجال، ويذم فيه أصحابه في التحكيم 103
4 126 - من كلام له عليه السلام لما عوتب على التسوية في العطاء وتصبيره الناس أسوة في العطاء من غير تفضيل أولى السابقات والشرف 109
5 127 - من كلام له عليه السلام في الاحتجاج على الخوارج والنهى عن الفرقة 112
6 مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر 113
7 فصل في ذكر الغلاة من الشيعة والنصيرية وغيرهم 119
8 128 - من كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرة 125
9 أخبار صاحب الزنج وفتنته وما انتحله من عقائد 126
10 فصل في ذكر جنكز خان وفتنة التتر 218
11 129 - من خطبة له في ذكر المكاييل والموازين 244
12 نبذ من أقول الصالحين والحكماء 246
13 130 - من كلام له عليه السلام لأبي ذر رحمة الله لما أخرج إلى الربذة 252
14 131 - من كلامه له عليه السلام في حال نفسه وأوصاف الإمام 263
15 132 - من خطبة له في تمجيد الله سبحانه 268
16 133 - من خطبة له عليه السلام في صفة القرآن وصفة النبي وأوصاف الدنيا 272
17 فصل في الجناس وذكر أنواعه 276
18 134 - ومن كلام له عليه السلام وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج 296
19 غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس 298
20 135 - ومن كلام له عليه السلام وقد وقع بينه وبين عثمان مشاجرة 301
21 فصل في نسب ثقيف وطرف من أخبارهم 303