شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١٨٠
وقتلتم إمامكم، فكيف رأيتم صنع الله بكم لم تعطوا ما طلبتم، ولم تدركوا ما أملتم، والله - إن شاء - مهلككم وناصرنا عليكم. فأرسل إليه عبد الله بن العباس: أن أبرز إلى، فأبى أن يفعل، وقاتل ابن عباس ذلك اليوم قتالا شديدا، ثم انصرفوا وكل غير غالب.
قال نصر: وخرج في ذلك اليوم شمر بن أبرهة بن الصباح الحميري، فلحق بعلي عليه السلام في ناس من قراء أهل الشام، ففت ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص وقال عمرو: يا معاوية، إنك تريد أن تقاتل بأهل الشام رجلا له من محمد صلى الله عليه وسلم قرابة قريبة، ورحم ماسة، وقدم في الاسلام لا يعتد أحد بمثله وحده في الحرب لم تكن لأحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وإنه قد سار إليك بأصحاب محمد المعدودين وفرسانهم وقرائهم وأشرافهم وقدمائهم في الاسلام ولهم في النفوس مهابة، فبادر بأهل الشام (1 مخاشن الأوعار، ومضايق الغياض 1)، واحملهم على الجهد، وائتهم من باب الطمع قبل أن ترفههم فيحدث عندهم طول المقام مللا، فتظهر فيهم كآبة الخذلان، ومهما نسيت فلا تنس أنك على باطل، وأن عليا على حق، فبادر الامر قبل اضطرابه عليك.
فقام معاوية في أهل الشام خطيبا، فقال:
أيها الناس أعيرونا جماجمكم وأنفسكم، لا تقتتلوا (2) ولا تتجادلوا، فإن اليوم يوم خطار، ويوم حقيقة وحفاظ، إنكم لعلى حق، وبأيديكم حجة، إنما تقاتلون من نكث البيعة، وسفك الدم الحرام، فليس له في السماء عاذر (3).
قدموا أصحاب السلاح المستلئمة، وأخرروا الحاسر، واحملوا بأجمعكم، فقد بلغ الحق مقطعه، (4) وإنما هو ظالم ومظلوم.

(1 - 1) صفين: (مخاشن الوعر، ومضايق الغيض).
(2) صفين: (لا تفشلوا ولا تخاذلوا).
(3) في صفين بعد هذا الكلام: (ثم صعد عمرو بن العاص مرقاتين من المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، قدموا المستلئمة....)، فكأنهما خطبتان، الأولى لمعاوية والثانية لعمرو.
(4) ج: (مبلغه).
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175