الاستذكار - ابن عبد البر - ج ٢ - الصفحة ١٦٠
والنظر عندي يوجب أن تكون رواية مالك متقدمة لأنه لم يبن له حينئذ أيتهما صلاته ثم بان له بعد أن الأولى صلاته فانصرف من شكه إلى يقين علمه ومحال أن ينصرف من يقينه إلى شك فدل ذلك على أن قوله الأولى هي المكتوبة قد بان له فأفتى به فإن قيل كيف يكون عنده الأولى المكتوبة والثانية نافلة في العصر ولا نافلة بعد العصر قيل معلوم عن بن عمر أن التنفل بعد العصر جائز عنده ومذهبه أن العصر والظهر والعشاء تعاد عنده دون المغرب والصبح لمن صلى وحده وقد ذكرنا في التمهيد الروايات عن بن عمر في ذلك بالأسانيد واختلف في ذلك أيضا عن سعيد بن المسيب كما اختلف عن بن عمر فروى همام عن قتادة قال قلت لسعيد بن المسيب إذا صليت وحدي ثم أدركت الجماعة فقال أعد غير أنك إذا أعدت المغرب فاشفع بركعة واجعل صلاتك وحدك تطوعا قال أبو عمر هذا شيء لا يعرف وجهه كيف يشفع المغرب بركعة وتكون الأولى تطوعا وقد أجمع العلماء على أن المغرب إذا نوى بها الفريضة لم يشفعها بركعة وما أظن الحديث والله أعلم إلا والأولى فرضه فإن صح ما ذكرناه عنه وهم من قتادة أو ممن دونه في الإسناد وقد ذكرنا الإسناد في التمهيد وقد كان جماعة من العلماء يضعفون أشياء من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب وأما قول بن عمر وسعيد ذلك إلى الله فقد تأول فيه قوم منهم بن الماجشون وغيره أن ذلك في القبول كأنه قال أيتهما يتقبل الله مني فقالا له ذلك إلى الله لأنه قد يتقبل النافلة دون الفريضة ويتقبل الفريضة دون النافلة على حسب النية في ذلك والإخلاص مع أنه تعالى يتفضل على من يشاء من عباده بما شاء من رحمته وعلى هذا التأويل لا يتدافع قول من قال إن الفريضة هي الأولى مع قوله ذلك إلى الله تعالى
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»