عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٢٥٥
قال: (رفع القلم عن الصغير وعن المجنون وعن النائم) قوله: (حتى يدرك) أي: حتى يبلغ، وفي (الفتاوى الصغرى) لأبي يعقوب بن يوسف الجصاصي: إن الجنون الطبق عن أبي يوسف أكثر السنة وفي رواية عنه أكثر من يوم وليلة، وفي رواية سبعة أشهر، والصحيح ثلاثة أيام. واختلفوا في طلاق الصبي، فعن ابن المسيب والحسن: يلزم إذا عقل وميز، وحده عند أحمد أن يطيق الصيام ويحصي، وعند عطاء إذا بلغ اثنتي عشر سنة، وعن مالك رواية إذا ناهز الاحتلام.
وقال علي وكل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه أي: قال علي بن أبي طالب، وذكره أيضا بصيغة الجزم لأنه ثابت، ووصله البغوي في (الجعديات) عن علي بن الجعد عن شعبة عن الأعمش عن إبراهيم النحعي عن عابس بن ربيعة: أن عليا قال: كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه، والمعتوه، بفتح الميم وسكون العين المهملة وضم التاء المثناة من فوق وسكون الواو بعدها: وهو الناقص العقل فيدخل فيه الطفل والمجنون والسكران. وقد روى الترمذي: حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا مروان بن أبي معاوية الفزاري عن عطاء بن عجلان عن عكرمة بن خالد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه والمغلوب بن علي عقله). قال: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عطاء بن عجلان، وهو ضعيف ذاهب الحديث، والعمل بن علي هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إن طلاق المعتوه المغلوب بن علي عقله لا يجوز إلا أن يكون معتوها يفيق الأحيان فيطلق في حال إفاقته. وقال شيخنا زين الدين هذا حديث أبي هريرة انفرد بإخراجه الترمذي، وعطاء بن عجلان ليس له عند الترمذي إلا هذا الحديث الواحد، وليس له في بقية الكتاب الستة شيء، وهو حنفي بصري يكنى أبا محمد، ويعرف بالعطار، اتفقوا بن علي ضعفه. قال ابن معين والفلاس: كذاب، وقال أبو حاتم والبخاري: منكر الحديث، زاد أبو حاتم جدا، وهو متروك الحديث. قوله: (وكل طلاق)، ويروى: (وكل الطلاق)، بالألف واللام. قوله: (جائز) أي: واقع.
9625 حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام حدثنا قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم.
(انظر الحديث 8252 وطرفه) مطابقته للترجمة يمكن أن يكون بينه وبين حديث عقبة بن عامر المذكور في أخبار باب الترجمة المذكورة، وهو قوله: لا يجوز طلاق الموسوس، وقد أعلم أن الوسوسة من أحاديث النفس، فإذا تجاوز الله عن عبده ما حدثت به نفسه يدخل فيه طلاق الموسوس أنه لا يقع.
وهشام هو الدستوائي، وزرارة بضم الزاي وخفة الراء الأولى ابن أوفى بن علي وزن أفعل من الوفاء العامري قاضي البصرة.
والحديث مضى في العتق في: باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق، فإنه أخرجه هناك عن الحميدي عن سفيان عن مسعر عن قتادة... إلى آخره، وقد ذكرنا هناك أن الحديث أخرجه الجماعة ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: (ما حدثت به أنفسها) بالفتح بن علي المفعولية، وذكر المطرزي عن أهل اللغة أنهم يقولونه بالضم يريدون بغير اختيارها. قلت قوله: بالضم، ليس بجيد، بل الصواب بالرفع، ولا تعلق له بأهل اللغة بل الكل سائغ في اللغة: حدثت نفسي بكذا، وحدثتني نفسي بكذا. قوله: (ما لم تعمل)، أي: في العمليات (أو تتكلم) في القوليات. وقال الكرماني: قالوا: من عزم بن علي ترك واجب أو فعل محرم ولو بعد عشرين سنة مثلا عصى في الحال. وأجاب بأن المراد بحديث النفس ما لم يبلغ إلى حد الجزم ولم يستقر. أما إذا عقد قلبه به واستقر عليه فهو مؤاخذة بذلك الجزم، نعم لو بقي ذلك الخاطر ولم يتركه يستقر لا يؤاخذه خذ به بل يكتسب له به حسنة. وفيه إشارة إلى أن هذا من خصائص هذه الأمة، وأن الأمم المتقدمة كانوا يؤاخذون بذلك، وقد اختلف أيضا: هل كان ذلك يؤاخذ به في أول الإسلام؟ ثم نسخ وخفف ذلك عنهم، أو هو تخصيص وليس بنسخ، وذلك قوله تعالى: * (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم الله) * (البقرة: 482) فقد قال غير واحد من الصحابة، منهم: أبو هريرة وابن عباس وابن عساكر: إنها منسوخة بقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (البقرة: 682) واعلم أن المراد بالكلام كلام اللسان لأن الكلام حقيقة، وقول ابن العربي المراد به الكلام النفسي، وإن
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»