عمدة القاري - العيني - ج ١٦ - الصفحة ٢١٤
9 ((باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله تعالى عنه)) أي: هذا باب في بيان مناقب علي بن أبي طالب بن عبد المطلب المكنى بأبي الحسن، كناه بذلك أهله، وكناه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بأبي تراب لما رآه في المسجد نائما ووجد رداءه قد سقط عن ظهره، وخلص إليه التراب، كما رواه البخاري من حديث سهل بن سعد في: أبواب المساجد، وهنا أيضا يأتي عن قريب، وروى ابن إسحاق أنه، صلى الله عليه وسلم قال له ذلك في غزوة العسيرة، وصححه الحاكم، وقال ابن إسحاق: حدثني بعض أهل العلم أنه، صلى الله عليه وسلم إنما سماه بذلك لأنه كان إذا عاتب علي فاطمة، رضي الله تعالى عنها، في شيء يأخذ ترابا فيضعه على رأسه، فكان صلى الله عليه وسلم، إذا رأى التراب عرف أنه عاتب علي فاطمة، فيقول: ما لك يا أبا تراب؟ وأم علي، رضي الله تعالى عنه، فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهي أول هاشمية ولدت هاشميا، أسلمت وصارت من كبار الصحابيات وماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أنت مني وأنا منك هذا التعليق طرف من حديث البراء بن عازب أخرجه مطولا في: باب عمرة القضاء، على ما سيأتي، إن شاء الله تعالى، وفيه قال لعلي: أنت مني وأنا منك، وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا. قوله: (أنت)، مبتدأ، (ومني) خبره، ومتعلق الخبر خاص، وكلمة: مني، هذه تسمى: بمن، الاتصالية ومعناه: أنت متصل بي، وليس المراد به اتصاله من جهة النبوة، بل من جهة العلم والقرب والنسب، وكان أب النبي صلى الله عليه وسلم شقيق أبي علي، رضي الله تعالى عنه، وكذلك الكلام في قوله: (وأنا منك) وفي حديث آخر: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ومعناه: أنت متصل بي ونازل مني منزلة هارون من موسى، وفيه تشبيه، ووجه التشبيه مبهم، وبينه وبقوله: إلا أنه لا نبي بعدي، يعني: أن اتصاله ليس من جهة النبوة، فبقي الاتصال من جهة الخلافة، لأنها تلي النبوة في المرتبة، ثم أنها، إما أن تكون في حياته أو بعد مماته، فخرج بعد مماته لأن هارون مات قبل موسى، عليهما السلام، فتبين أن يكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك، لأن هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم كان مخرجه إلى غزوة تبوك، وقد خلف عليا على أهله وأمره بالإقامة فيهم، وهذا الحديث أخرجه الترمذي من حديث عمران بن حصين بلفظ: إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. ثم قال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان، وأخرجه أبو القاسم إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم البصري في فضائل الصحابة من حديث بريدة مطولا، قال النبي صلى الله عليه وسلم لي: لا تقع في علي فإن عليا مني وأنا منه، ومن حديث الحكم بن عطية: حدثنا محمد بن علي بن أبي طالب أن علي بن أبي طالب وجعفرا وزيدا دخلوا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (فقال: أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي، وأما أنت يا علي فأنت مني وأنا منك) وفي حديث أبي رافع، فقال جبريل، عليه الصلاة والسلام: وأنا منكما يا رسول الله.
وقال عمر توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض هذا التعليق تقدم قريبا في وفاة عمر، رضي الله تعالى عنه، مسندا عند قوله: ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله، صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى عليا... الحديث.
1073 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبد العزيز عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه قال فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقالوا يشتكي عينيه يا رسول الله قال فأرسلوا إليه فأتوني به فلما جاء بصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»