عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٥٠
والزبير كاف عنه لقول رسول الله تقتلك الفئة الباغية وقتل ناس كثير ورجع الزبير عن القتال وقال الواقدي كان زمام الجمل بيد كعب بن سور وما كان يأخذ زمام الجمل إلا من هو معروف بالشجاعة ما أخذه أحد إلا قتل وحمل عليه عدي بن حاتم ولم يبق إلا عقره ففقئت عين عدي واجتمع بنو ضبة عند الجمل وقاتلوا دونه قتالا لم يسمع مثله فقطعت عنده ألف يد وقتل عليه ألف رجل منهم وقال ابن الزبير جرحت على زمام الجمل سبعة وثلاثين جراحة وما أحد أخذ برأسه إلا قتل أخذه عبد الرحمن بن عتاب فقتل ثم أخذه الأسود بن البحتري فقتل وعد جماعة وغلب ابن الزبير من الجراحات فألقى نفسه بين القتلى ثم وصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين فجعلت تنادي الله الله يا بني اذكروا يوم الحساب ورفعت يديها تدعو على أولئك القوم من قتلة عثمان فضج الناس معها بالدعاء وأولئك النفر لا يقلعون عن رشق هودجها بالنبال حتى بقي مثل القنفذ فجعلت الحرب تأخذ وتعطي فتارة لأهل البصرة وتارة لأهل الكوفة وقتل خلق كثير ولم تر وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الوقعة ثم حملت عليه السائبة والأشتر يقدمها وحمل بجير بن ولجة الضبي الكوفي وقطع بطانه وعقره وقطع ثلاث قوائم من قوائمه فبرك ووقع الهودج على الأرض ووقف عليها علي رضي الله تعالى عنه فقال السلام عليك يا أماه فقالت وعليك السلام يا بني فقال يغفر الله لك فقالت ولك وانهزم من كان حوله من الناس وأمر علي رضي الله تعالى عنه أن يحملوا الهودج من بين القتلى وأمر محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر أن يضربا عليه قبة ولما كان آخر الليل خرج محمد بعائشة فأدخلها البصرة وأنزلها في دار عبد الله بن خلف الخزاعي وبكت عائشة بكاء شديدا وقالت وددت أني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة وجاء وجوه الناس من الأمراء والأعيان يسلمون عليها ثم أن عليا رضي الله تعالى عنه أقام بظاهر الكوفة ثلاثة أيام وصلى على القتلى من الفريقين * وقال ابن الكلبي قتل من أصحاب عائشة ثمانية آلاف وقيل ثلاثة عشر ألفا ومن أصحاب علي ألف وقيل قتل من أهل البصرة عشرة آلاف ومن أهل الكوفة خمسة آلاف وكان في جملة القتلى طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة ثم دخل على البصرة يوم الاثنين ثم جهز عائشة أحسن الجهاز بكل شيء ينبغي لها من مركب وزاد ومتاع وأخرج معها كل من نجا من الوقعة ممن خرج معها واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات ووقف علي معها حتى ودعها وكان خروجها يوم السبت غرة رجب سنة ست وثلاثين وشيعها علي أميالا وسرح بنيه معها يوما * وقال الواقدي أمر علي النساء اللاتي خرجن مع عائشة بلبس العمائم وتقليد السيوف ثم قال لهن لا تعلمنها أنكن نسوة وتلثمن مثل الرجال وكن حولها من بعيد ولا تقربنها وسارت عائشة على تلك الحالة حتى دخلت مكة وأقامت حتى حجت واجتمع إليها نساء أهل مكة يبكين وهي تبكي وسئلت عن مسيرها فقالت لقد أعطى علي فأكثر وبعث معي رجالا وبلغ النساء فأتينها وكشفن عن وجوههن وعرفنها الحال فسجدت وقالت والله ما يزداد ابن أبي طالب إلا كرما (ذكر مقتل الزبير وبيان سيرته) لما انفصل الزبير رضي الله تعالى عنه من عسكر عائشة كما ذكرنا تبعه عمرو بن جرموز وفضالة بن حابس من غواة بني تميم وأدركوه وتعاونوا عليه فقتلوه ويقال بل أدركه عمرو بن جرموز فقال له إن لي إليك حاجة فقال ادن فقال مولى الزبير واسمه عطية إن معه سلاحا فقال وإن كان فتقدم إليه فجعل يحدثه وكان وقت الصلاة فقال له الزبير الصلاة الصلاة فقال الصلاة فتقدم الزبير ليصلي بهما فطعنه عمرو بن جرموز فقتله ويقال بل أدركه عمرو بوادي السباع وهو نائم في القائلة فهجم عليه فقتله وهذا القول هو الأشهر وأخذ رأسه وذهب به إلى علي فقيل لعلي هذا ابن جرموز قد أتاك برأس الزبير فقال بشروا قاتل الزبير بالنار فقال عمرو * أتيت عليا برأس الزبير * وقد كنت أحسبها زلقتي * * فبشر بالنار قبل العيان * فبئس البشارة والتحفة * * وسيان عندي قتل الزبير * وضرطة عنزة بذي الجحفة *
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»