عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٢٨٤
32 ((باب قول الله تعالى * (واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا) * كلمه * (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) * (: 15 35).)) أي: هذا باب يذكر فيه موسى وهارون وبيان ذلك في قول الله تعالى: * (واذكر في الكتاب) * إلى آخره، وهذا كله مذكور في رواية كريمة، وفي رواية أبي ذر إلى قوله: * (نجيا) * فحسب. قوله: (واذكر) خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. قوله: (في الكتاب)، أي: القرآن. قوله: (مخلصا)، قرأ الكسائي وحمزة وحفص عن عاصم بفتح اللام أي: أخلصه الله وجعله خالصا من الدنس مختارا، وقرأ الباقون بكسر اللام أي: الذي وحد الله وجعل نفسه خالصة في طاعة الله تعالى غير دنسة. قوله: (وناديناه)، أي: دعوناه وكلمناه ليلة الجمعة من جانب الطور وهو جبل بين مصر ومدين. قوله: (الأيمن)، قيل: صفة للطور، وقيل: للجانب، وقيل: لموسى فإنه جاء النداء من يمين موسى. قوله: (وقربناه نجيا) مناجيا، قيل: حتى سمع صريف القلم حين كتب له في الألواح. قوله: (من رحمتنا)، أي: من أجل رحمتنا له أو بعض رحمتنا، فعلى الأولى قوله: أخاه، مفعول: وهبنا وعلى الثاني: بدل وهارون، عطف بيان كقولك: رأيت رجلا أخاك زيدا، وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين، وقال مقاتل: ذكر الله تعالى موسى في القرآن في مائة وثمانية عشر موضعا، وذكر الله هارون في أحد عشر موضعا، وموسى، على وزن فعلى من الموس، وهو حلق الشعر والميم أصلية، وقال الليث: اشتقاقه من الماء والشجر: فمو ماء وسا شجر، لحمال التابوت: والماء، وهو عبراني عرب، وهو ابن عمران ابن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم الخليل عليهم الصلا والسلام وذكر بعضهم عاذر بعد قاهث ونكح عمران نجيب بنت أشمويل بن بركيا بن يقشان بن إبراهيم فولدت له هارون وموسى عليهماالصلاة والسلام، وقيل: اسم أمهما أناجيا، وقيل: أباذخت، قال السهيلي:
أباذخا، وقال ابن إسحاق: تجيب، وقال الثعلبي يوخايذ وهو المشهور وولد موسى وقد مضى من عمر عمران سبعون سنة، وجميع عمر عمران مائة وسبع وثلاثون سنة ((يقال للواحد وللاثنين وللجمع نجي ويقال خلصوا نجيا اعتزلوا نجيا والجمع أنجيه يتناجون)) النجي: بفتح النون وكسر الجيم وتشديد الياء آخر الحروف، قال ابن الأثير: هو المناجي وهو المخاطب للإنسان المحدث له، وذكر البخاري: أنه يقال للواحد نجي وللاثنين نجي وللجمع نجي. وفي (المطالع): يقال رجل نجى ورجلان نجي ورجال نحي ومثله في رواية الأصيلي في قوله تعالى: (خلصوا نجيا) وأوله: * (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا) * (يوسف: 08). وفسره البخاري بقوله: ويقال خلصوا نجيا: اعتزلوا نجيا أي: فلما يئسوا من يوسف خلصوا نجيا، أي: اعتزلوا وانفردوا عن الناس خالصين لا يخالطهم سواهم. قال الزمخشري: ذوي نجوى أو فوجا نجيا، أي: مناجيا بعضهم بعضا، قال الزجاج: انفردوا متناجين فيما يعملون في ذهابهم إلى أبيهم من غير أخيهم، وذكر البخاري هذا تأكيدا لما قبله من أن النجي يطلق على الجمع، لأن نجيا في الآية بمعنى: المتناجين، ونصبه على الحال، وقال الزمخشري: النجي على معنيين، يكون بمعنى المناجي كالعشير والسمير بمعنى المعاشر والمسامر، ومنه قوله تعالى: * (وقربناه نجيا) * (مريم: 25). وبمعنى المصدر الذي هو التناجي كما قيل: النجوى بمعناه، ومنه قيل: قوم نجي، كما قيل: هم صديق لأنه بزنة المصادر. قوله: (والجمع أنجية) أراد به النجي إذا أريد به المفرد فقط يكون جمعه أنجية، كما في قول الشاعر:
* وإذا ما القوم كانوا أنجيهواضطرب اليوم اضطراب الأرشيه * قوله: (يتناجون) أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان...) * (المجادلة: 8). الآية، نزلت في اليهود، وكانت بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلمموادعة، فإذا مر بهم رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون فيما بينهم حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره، فيترك الطريق عليهم من المخافة فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا فعادوا إلى النجوى، فأنزل الله هذه الآية.
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»