عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ٢٧٢
صالحا، عليه السلام، كان من قبيلتهم.
واختلفوا في ثمود، فقال الجوهري: ثمود قبيلة من العرب الأولى، وهم قوم صالح، وكذلك قال الفراء: سميت بذلك لقلة مائهم، وقال الزجاج: الثمد الماء القليل الذي لا مادة له، وقيل: ثمود اسم رجل، وقال عكرمة: هو ثمود بن جابر بن إرم بن سام بن نوح، وقال الكلبي: وكانت هذه القبيلة تنزل في وادي القرى إلى البحر والسواحل وأطراف الشام، وكانت أعمارهم طويلة وكانوا يبنون البنيان والمساكن، فتنهدم، فلما طال ذلك عليهم اتخذوا من الجبال بيوتا ينحتونها وعملوها على هيئة الدور، ويقال: كانت منازلهم أولا بأرض كوش من بلاد عالج ثم انتقلوا إلى الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وخالفوا أمر الله وعبدوا غيره، وأفسدوا في الأرض فبعث الله إليهم صالحا نبيا فدعاهم إلى الله تعالى حتى شمط ولم يتبعه منهم إلا قليل يستضعفون، وصالح هو ابن عبيد بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح، عليه الصلاة والسلام، وقيل: صالح بن عبيد بن أنيف بن ماشخ بن جادر بن جاثر بن ثمود، قاله مقاتل، وقيل: صالح بن كانوه، قاله الربيع، وقيل: صالح بن عبيد بن يوسف بن شالخ بن عبيد بن جاثر بن ثمود، قاله مجاهد. قال مجاهد: كان بينه وبين ثمود مائة سنة وكان في قومه بقايا من قوم عاد على طولهم وهيئاتهم، وكان لهم صنم من حديد يدخل فيه الشيطان في السنة مرة واحدة ويكلمهم، وكان أبو صالح سادنه فغار لله وهم بكسره، فناداهم الصنم: اقتلوا كانوه، فقتلوه، ورموه في مغارة، فبكت عليه امرأته مدة، فجاءها ملك فقال لها: إن زوجك في المغارة الفلانية، فجاءت إليه وهو ميت فأحياه الله تعالى، فقام إليها فوطئها في الحال فعلقت بصالح من ساعتها، وعاد كانوه ميتا بإذن الله، ولما شب صالح بعثه الله إلى قومه قبل البلوغ، ولكنه قد راهق، قاله وهب. وقال ابن عباس: لما تم له أربعون سنة أرسله إليهم وذكره الله تعالى في القرآن في خمسة مواضع، وبين قصته مع قومه، فلما أهلك الله قومه نزل صالح بفلسطين وأقام بالرملة، وقال السدي: أتى صالح ومن معه من المؤمنين إلى مكة وأقاموا يتعبدون حتى ماتوا فقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة والحجر، وقال ابن قتيبة: أقام صالح في قومه عشرين سنة ومات وهو ابن مائة وثمان وخمسين سنة، وقيل: ابن ثلاثمائة وست وثلاثين سنة، وحكاه الخطيب عن ابن عباس، وهو الأظهر، ويقال: إن صالحا مات في اليمن وقبره بموضع يقال له الشبوه، وذكر الفربري: أن صالحا خرج مع المؤمنين إلى الشام فسكنوا فلسطين ومات بها، وكان بين صالح وبين هود مائة سنة، وبين صالح وبين إبراهيم ستمائة سنة وثلاثون سنة.
* (كذب أصحاب الحجر) * (الحجر: 08). الحجر موضع ثمود. وأما حرث حجر حرام وكل ممنوع فهو حجر محجور والحجر كل بناء بنيته وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر ومنه سمي حطيم البيت حجرا كأنه مشتق من محطوم مثل قتيل من مقتول ويقال للأنثاى من الخيل الحجر ويقال للعقل حجر وحجى وأما حجر اليمامة فهو منزل قوله: (كذب أصحاب الحجر) أشار به إلى قوله تعالى: * (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين) * (الحجر: 08). وفسر الحجر بقوله: موضع ثمود، وهو ما بين المدينة والشام، وأراد بالمرسلين صالحا، وهو وإن كان واحدا فالمراد هو ومن معه من المؤمنين، كما قالوا الخبيبيون في ابن الزبير وأصحابه، وقيل: كل من كذب واحدا من الرسل فكأنما كذبهم جميعا. قوله: (وأما حرث حجر حرام) أشار به إلى ما في قوله تعالى: * (وقالوا هذه أنعام وحرث حجر) * (الأنعام: 831). وفسر الحجر بقوله: حرام، وكذا فسره أبو عبيدة، وحذف البخاري الفاء من جواب: أما، وهو قوله: حرام، وهو جائز. قوله: (وكل منوع فهو حجر محجور) أي: كل شيء يمنع فهو حجر أي: حرام، ومنه: حجر محجور، وأشار به إلى ما في قوله تعالى: * (ويقولون حجرا محجورا) * (الفرقان: 22). وقال أبو عبيدة: أي حراما محرما. قوله: (والحجر كل بناء بنيته)، بتاء الخطاب في آخره، ويروي: (تبنيه)، بتاء الخطاب في أوله. قوله: (فهو حجر)، إنما دخلت الفاء فيه لأن قوله: (وما حجرت عليه)، يتضمن معنى الشرط. قوله: (ومنه سمي الحطيم)، أي: ومن قبيل هذه المادة سمي حطيم البيت أي الكعبة حجرا، وهو الحائط المستدير إلى جانب الكعبة. قوله: (كأنه مشتق من محطوم مثل قتيل من مقتول)، أراد: أن الحطيم بمعنى المحطوم، كما أن القتيل بمعنى المقتول يعني فعيل، ولكنه بمعنى مفعول، وليس فيه اشتقاق
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»