عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ١٥٩
قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين. ا (لحديث 6523 طرفه في: 6556).
عبد العزيز بن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأويسي المديني، وصفوان بن سليم، بضم السين وفتح اللام: المدني، وعطاء بن يسار ضد اليمين.
والحديث أخرجه مسلم في صفة الجنة أيضا عن عبد الله بن جعفر وعن هارون بن سعيد كلاهما عن مالك.
قوله: (عن صفوان)، وفي رواية مسلم: (أخبرني صفوان)، ووهم أيوب بن سويد فرواه: عن مالك عن زيد ابن أسلم بدل صفوان، ذكره الدارقطني في (الغرائب). قوله: (عن أبي سعيد)، وفي رواية فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة، ونقل الدارقطني في (الغرائب) عن الذهلي أنه قال: لست أرفع حديث فليح، يجوز أن يكون عطاء بن يسار حدث به عن أبي سعيد وعن أبي هريرة. قوله: (يتراءيون) على وزن: يتفاعلون، من باب التفاعل أي: يرون وينظرون، وفيه معنى التكلف كما في قول أبي البختري: تراءينا الهلال أي: تكلفنا النظر إليه هل نراه أم لا، وفي رواية مسلم: يرون، وهذا يدل على أن باب التفاعل هنا ليس على بابه. قوله: (الغرف)، بضم الغين وفتح الراء جمع: غرفة، وهي العلية، قوله: (الغابر)، بالغين المعجمة والباء الموحدة، كذا هو في رواية الأكثرين وفي رواية (الموطأ) الغاير بالياء آخر الحروف، ومعناه الداخل في الغروب، ومعنى الغابر بالباء الموحدة الذاهب، وهو من الأضداد، يقال: غبر بمعنى: ذهب، وبمعنى: بقي وفي رواية الأصيلي: العازب بالعين المهملة والزاي، ومعناه البعيد، وفي رواية الترمذي: العارب بالعين المهملة والراء. قوله: (في الأفق)، قال بعضهم: المراد من الأفق السماء. قلت: الأفق أطراف السماء. وقال الطيبي: فإن قلت: ما فائدة تقييد الكواكب بالدري، ثم بالغابر في الأفق؟ قلت: للإيذان بأنه من باب التمثيل الذي وجهه منتزع من عدة أمور متوهمة في المشبه شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المستضيء الباقي في جانب الشرق أو الغرب في الاستضاءة مع البعد، فلو قيل: الغابر، لم يصح لأن الإشراق يفوت عند الغروب اللهم إلا أن يقدر المستشرف على الغروب كقوله تعالى: * (فإذا بلغن أجلهن) * (البقرة: 432، الطلاق: 2). لكن لا يصح هذا المعنى في الجانب الشرقي، نعم على هذا التقدير كقوله:
* متقلدا سيفا ورمحا * وعلفته تبنا وماء باردا * أي: طالعا في الأفق من المشرق وغابرا في المغرب، فإن قلت: ما فائدة ذكر الشرق والغرب، وهلا قيل: في السماء أي في كبدها؟ قلت: لو قيل: في السماء، لكان القصد الأول بيان الرفعة، ويلزم منه البعد، وفي ذكر المشرق أو المغرب القصد الأول البعد، ويلزم منه الرفعة. قوله: (قال بلى)، وفي رواية أبي ذر: بل، التي للإضراب. وقال القرطبي: هكذا وقع هذا الحرف: بلى، التي أصلها حرف جواب وتصديق، وليس هذا موضعها، لأنهم لم يستفهموا وإنما أخبروا أن تلك المنازل للأنبياء، عليهم السلام، لا لغيرهم، فجواب هذا يقتضي أن تكون: بل، التي للإضراب عن الأول وإيجاب المعنى للثاني، فكأنه تسومح فيها، فوضعت: بلى، موضع: بل. قوله: (رجال)، مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هم رجال آمنوا بالله، أي: حق إيمانه، وصدقوا المرسلين أي: حق تصديقهم، وإلا فكل من يدخل الجنة آمن بالله وصدق رسله.
9 ((باب صفة أبواب الجنة)) أي: هذا باب في بيان صفة أبواب الجنة. قال بعضهم: هكذا ترجم بالصفة ولعله أراد بالصفة العدد أو التسمية. قلت: هذا تخمين، لأنه لا وجه لما ذكره، أما ذكر الصفة وإرادة العدد ففيه ما فيه، لأن العدد اسم. قال الجوهري: عددت الشيء عدا أحصيته، والاسم العدد والعديد، والصفة خارجة عن ذات الشيء، وأما ذكر الصفة وإرادة التسمية فتعسف جدا لأنه لا نكتة فيه حتى يعدل عن التسمية إلى ذكر الصفة، والذي يظهر أن ذكره أبواب الجنة واقع في محله، لأن في الباب ذكر ثمانية أبواب فيطابق الترجمة، وذكر الصفة إشارة إلى قوله: الريان، لأنه صفة للباب الذي يدخل منه الصائمون. فإن قلت: المذكور في الحديث يسمى الريان. قلت: في الحقيقة صفة لذلك الباب، لأن الصائمين الذين كابدوا العطش في الدنيا إذا دخلوا من هذا الباب إلى الجنة يشربون من النهر الذي فيه فيروون، فلا يحصل لهم الظمأ بعد ذلك أبدا، فغلبت الإسمية على الصفة، كما في العباس والحارث ونحوهما.
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»