عمدة القاري - العيني - ج ١٥ - الصفحة ١١٢
وأرض خمسمائة عام. وأخرجه إسحاق بن راهويه والبزار من حديث أبي ذر نحوه. فإن قلت: روى أبو داود والترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب، رضي الله تعالى عنه، مرفوعا: بين كل سماء وسماء إحدى أو اثنتان وسبعون سنة. قلت: يجمع بينهما بأن اختلاف المسافة بينهما باعتبار بطء السير وسرعته، وفي (تفسير النسفي): وقيل: إن المراد بقوله: سبع أرضين الأقاليم السبعة، والدعوة شاملة جميعها، وقيل: إنها سبع أرضين متصلة بعضها ببعض والحائل بين كل أرض وأرض بحار لا يمكن قطعها ولا الوصول إلى الأرض الأخرى ولا تصل الدعوة إليهم قوله: (لتعلموا) اللام تتعلق بخلق، وقيل: بيتنزل، والأول أقرب، وأن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما لا يخفى عليه شيء، وعلما مصدر من غير لفظ الفعل أي: قد علم كل شيء علما.
والسقف المرفوع السماء هذه حكاية عما في سورة الطور وهو: * (والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع) * (الطور: 1). فقوله: والسقف المرفوع، بالرفع مبتدأ وقوله: * (السماء) * (الطور: 1). خبره وهو تفسيره، كذا فسره مجاهد، رواه ابن أبي حاتم وغيره من طريق ابن أبي نجيح عنه، ويجوز بالجر على طريق الحكاية عما في سورة الطور سمى السماء سقفا لأنها للأرض كالسقف للبيت، وهو يقتضي الرد على من قال: إن السماء كرية، لأن السقف في اللغة العربية لا يكون كريا، وفيه نظر.
سمكها بناءها أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (رفع سمكها فسواها) * (النازعات: 82). في: والنازعات، وهنا: سمكها، مرفوع على الابتداء وخبره قوله: بناؤها، ويجوز بالنصب على الحكاية. وقوله: * (رفع سمكها) * (النازعات: 82). أي: بناءها يعني: رفع بنيانها، والسمك، بفتح السين المهملة وسكون الميم، وهكذا فسره ابن عباس، رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي طلحة عنه.
الحبك استواؤها وحسنها أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى * (والسماء ذات الحبك) * (الذاريات: 7). ويجوز في الحبك الرفع على الابتداء وخبره: استواؤها، ويجوز الجر على الحكاية، والتفسير الذي فسره رواه ابن أبي حاتم من طريق عطاء بن السائب عن يزيد عن سعيد بن جبير عنه، والحبك بضمتين جمع حبيكة، كطرق جمع طريقة، وزنا ومعنى. وقيل: واحدها حباك كمثال، وقيل: الحبك الطرائق التي ترى في السماء من آثار الغيم، وروى الطبري عن الضحاك نحوه، وقيل: هي النجوم أخرجه الطبري بإسناد حسن عن الحسن، وروى الطبري عن عبد الله بن عمرو: أن المراد بالسماء هنا السماء السابعة.
وأذنت سمعت وأطاعت أشار بهذا إلى ما في قوله تعالى: * (إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت) * (الانشقاق: 1، 2). ورواه هكذا ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس: * (وأذنت لربها) * أي: أطاعت، ومن طريق الضحاك: أي: سمعت، قال النسفي: وحقيقته من أذن الشيء إذا أصغى إليه أذنه للاستماع، والسماع يستعمل للإسعاف والإجابة، كذلك الإذن أي: أجابت لربها إلى الانشقاق وما أراده منها.
وألقت أخرجت ما فيها من الموتى وتخلت عنهم أشار إلى قوله تعالى بعد قوله: * (وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت) * (الانشقاق: 2، 3). وحقت أي: حق لها أن تطيع، وألقت أي: طرحت ما فيها، ومدت من مد الشيء فامتد وهو: أن تزول جبالها وآكامها، وكل أمة فيها حتى تمتد وتنبسط ويستوي ظهرها، وتخلت أي: خلت غاية الخلو حتى لا يبقى في بطنها شيء كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو.
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»